عدرا، حمص العسكري، حماة، فرع فلسطين، تدمر، فرع المخابرات العسكرية 291، صيدنايا.. كل هذه، وغيرها، أسماء سجون، عذب، وغيب، وأعدم فيها نظام الأسد، أعداد لا تُحصى من السوريين.
كان الناس يركضون باتجاه سجن صيدنايا بعد ساعات من سقوط الأسد. يركضون بلهفة كبيرة لمعرفة ما فيه. وبينما كانت أعين الجميع على أكوام البشر هناك، نظرت أعينٌُ إلى أشياء أخرى، وخشيت أن تُفقد.
وثائق السجن.. هذا ما كان ينظر إليه البعض.. وثائق فيها معلومات عن السجناء، ومعلومات، قد تنفع لاحقا في تحقيق العدالة.
وانتشرت مقاطع فيديو وصور، أظهرت مجموعة وثائق ليست بالقليلة، بأيادي الناس.
وقال فضل عبد الغني رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان: "هذه الوثائق والمواقع مهمة جدا، لأنها تمثل ساحات جريمة وتعني عشرات الآلاف من السوريين. حمايتها أولوية قصوى".
بـ"حرقة قلب على أبنائهم" اندفعوا نحو السجن، يصف الحقوقي السوري ذوي السجناء الذين تجمعوا في صيدنايا، لكنه أكد أن الوثائق "حق لكل السوريين".
كشفٌ ومحاسبة
كذلك، قال المدير المشارك لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، رياض أولر: "للأسف الشديد، لم تُحرس هذه الوثائق رغم أهميتها".
وتساعد الوثائق في توفير معلومات كاملة عن السجناء، وتفاصيل تتعلق بفترات محكومياتهم، وتنقلاتهم بين السجون ومراكز التحقيق.
ويتفق عبد الغني وأولر، على أهمية الوثائق في "كشف" مصير المعتقلين والمغيبين قسراً، كما أنها تساعد في محاسبة ومحاكمة المتورطين بارتكاب الجرائم.
بدروه، قال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان: "تداركوا ذلك لاحقاً" في إشارة إلى الحفاظ على الوثائق.
ويقترح توجيه "نداءات" لكل شخص بحوزته وثائق، بضرورة أن يعيدها لأنها "ليست من حقه، بل حق لكل السوريين" قال عبد الغني.
ويتحدث أولر عن وثائق أخرى غير تلك التي تتعلق بالسجون، وهي لا تقل أهمية عن غيرها، مثل وثائق المحاكم والمستشفيات والفروع الأمنية.
وتمرّ سوريا بمرحلة انتقالية تقودها حكومة تصريف أعمال يرأسها محمد البشير، لكن القائد الفعلي للمرحلة الحالية، هو أحمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني، قائد "هيئة تحرير الشام".
والهيئة مصنفة في قوائم الإرهاب الأميركية والأوروبية، كما أن الجولاني مطلوب للولايات المتحدة.
ونقلت إلى دمشق، مجموعة موظفين من حكومة "الإنقاذ" في إدلب حيث أماكن سيطرتها قبل سقوط الأسد. ربما، تكون عملية حفظ الوثائق، ضمن مهام هؤلاء.
وبعد سقوط النظام، أصدر المركز السوري للعدالة والمساءلة بيانا، أكد فيه، أنه سيصب تركيزه على حفظ الوثائق المعرضة للخطر بعد جمعها من المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام.
ووعد المركز، بإتاحة مصادر معلومات للسوريين، بشكل واضح ومحايد.
وحاولت بعثة الصليب الأحمر الدولي في سوريا "إنقاذ" الوثائق الممكنة للبحث عن المفقودين والتحقيق في الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد.
كذلك، قال رئيس البعثة ستيفان ساكاليان: "شاهدت فرقنا الكثير من السجلات والوثائق الهامة ملقاة على الأرض في سجن صيدنايا، دون أي حماية".
ولاحقا، تمكن فريق اللجنة من "إنقاذ" بعض الوثائق، وقبل أن يُغادر السجن، سلمها للسلطات الحالية، وفقا لسالكيان الذي تحدث من سوريا بمؤتمر صحفي عبر تقنية الفيديو للصحفيين في مقر الأمم المتحدة بجنيف.
يتحدث رئيس البعثة الدولية، عن توثيق ما لا يقل عن 35 ألف حالة إخفاء قسري في سوريا منذ عام 2011.
و"تحل" الوثائق قضايا "عالقة" ليس في صيدنايا فحسب، بل في أماكن احتجاز أخرى ومستشفيات ومشارح، وفقا لساكاليان.
أسماء جديدة
منذ لحظة سقوط الأسد، انهالت اتصالات ذوي المعتقلين والسجناء على المنظمات المحلية والدولية.. هؤلاء كانوا يبحثون عن أبنائهم، لعلهم يحصلون على خبر مفرح، يُضاف إلى خبر نهاية حكم حزب البعث.
تواصلت مع الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أكثر من 10 آلاف عائلة، وفقا لمديرها فضل عبد الغني.
ووثقت الشبكة منذ آ1ار 2011 حتى آب 2024، حالة 157634 معتقلاً ومغيباً بشكل قسري، لدى جميع الأطراف المتنازعة في الخريطة السورية، بينهم 5274 طفلاً و10221 أنثى بالغة.
ولم تنته الاتصالات عند الشبكة السورية، فرابطة معتقلي سجن صيدنايا، استقبلت 13 ألف مكالمة من عائلات "تريد معرفة مصير أبنائها" وفقا لمديرها المشارك رياض أولر.
مغيبون في الطرف الآخر
بحسب الإحصائية نفسها للشبكة السورية لحقوق الإنسان، يوجد 8684 معتقلاً ومغيّباً قسرياً لدى تنظيم "داعش"، الذي ما زال نشطاً في سوريا، خاصة في بادية الشام.
هناك أيضاً، 5281 معتقلا ومغيبا لدى قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة وتحكم مناطق شمال وشمال شرق سوريا تحت مسمى "الإدارة الكردية".
كذلك، فإن فصائل المعارضة المسلحة المنضوية تحت لواء "الجيش الوطني" و"هيئة تحرير الشام" المدعومتين من تركيا، وقادتا عملية إسقاط النظام، متهمتان بالمسؤولية عن اعتقال وتغييب قسري لـ 4371 فرداً، و2684 آخرين.
وقال رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن "على هذه الجهات، بما فيها السلطة الجديدة في سوريا، كشف مصير المختفين قسرا، وإطلاق سراح المعتقلين سياسيا".
وأضاف: "ما طالبنا به نظام الأسد سابقاً، نطالب به من الجهات التي تحكم اليوم، خاصة وأن هناك حالات اعتقال تعسفي غير مبينة على أرضية قضائية".
ويحث الحقوقي السوري، السلطات السورية الجديدة، بضرورة ألا تخفي أو تعذب أي شخص ينتمي لنظام الأسد، في حال اعتقل، تمهيدا لمحاكمته.
المقابر الجماعية
أشار المدير المشارك لرابطة معتقلي سجن صيدنيا، إلى ملف المقابر الجماعية أيضا، وأهمية حمايتها لحين فتحها بعمليات منظمة ومختصة، للتعرف على الضحايا.
وكشف ستيفن راب، السفير الأميركي السابق المتخصص في قضايا جرائم الحرب، أن الأدلة المستخلصة من مواقع المقابر الجماعية في سوريا كشفت عن "آلة الموت" التي كان يديرها نظام الأسد.
وقال في تصريحات صحفية الثلاثاء، إن "تقديراته تشير إلى أن أكثر من 100 ألف شخص تعرضوا للتعذيب والقتل منذ عام 2013".
ومنذ سقوط الأسد، يتحدث السوريون عن المقابر الجماعية، ويُقال إنها "تضم آلاف الجثث" وهي قصص تُذكر بالمقابر الجماعية التي اكتشفت في العراق عندما سقط نظام صدام حسين عام 2003.
(الحرة)