أحدث السقوط السريع والمفاجئ لنظام بشار الأسد صدمة سياسية على المستويين الإقليمي والدولي، معيدًا رسم خريطة النفوذ في المنطقة وكاشفًا عن تراجع أدوار القوتين الرئيسيتين اللتين ساندتا النظام طوال أكثر من عقد: روسيا وإيران.
ورغم الإعلان عن تشكيل حكومة سورية مؤقتة، لا تزال التحليلات مستمرة لفهم العوامل الكامنة وراء هذا الانهيار الدراماتيكي، وتداعياته على الدول المحيطة ومسارات الصراعات الإقليمية. ومن بين النظريات المستخدمة لتفسير ما جرى، برزت نظرية "تأثير الفراشة" كأداة تحليلية لإدراك التفاعلات المعقدة التي قادت إلى هذا التغير المفاجئ.
تأثير الفراشة.. حركة صغيرة، نتائج ضخمة
نشأت نظرية تأثير الفراشة على يد عالم الرياضيات والأرصاد الجوية إدوارد لورينتز عام 1963، وهي جزء من نظرية الفوضى. تفترض النظرية أن الأحداث الصغيرة قد تُحدث تغييرات هائلة عبر سلسلة من التفاعلات المتشابكة. فعلى سبيل المثال، حركة جناح فراشة في مكان ما قد تؤدي إلى إعصار في مكان آخر بسبب التداخلات المتتابعة في النظام الكوني.
وبالنظر إلى سوريا، يرى محللون أن مجموعة من العوامل الصغيرة التي قد تبدو غير مترابطة، اجتمعت لتقود إلى انهيار النظام:
تدهور اقتصادي متسارع: أدى الفساد المستشري والعقوبات الدولية إلى انهيار المؤسسات الاقتصادية في سوريا، ما زاد السخط الشعبي.
التحديات الإقليمية: تورط النظام في تحالفات مكلفة مع روسيا وإيران، ما استنزف موارده وجعله عرضة لتغيرات في أولويات حلفائه.
أحداث داخلية وخارجية مترابطة: تصاعد التوترات الإقليمية والضغوط الدولية ضد حلفاء النظام.
التداعيات على المنطقة
تركيا وملء الفراغ: تسعى أنقرة إلى تعزيز نفوذها في شمال سوريا، مما قد يخلق توتراً جديداً مع القوى الأخرى في المنطقة، مثل إسرائيل.
إعادة ترتيب التحالفات: خروج النظام من المشهد قد يسرع من تشكيل محاور جديدة، مع تزايد نفوذ دول مثل تركيا وقطر.
تحديات أمنية جديدة: مع انهيار النظام، قد تنشط الجماعات المسلحة في بعض المناطق، مما يعيد فتح جبهات صراع جديدة.
واستنادًا إلى نظرية "تأثير الفراشة"، يقدم المحلل السياسي والدبلوماسي الإسرائيلي السابق، مائير كوهين، تحليله لأسباب السقوط المدوي للنظام السوري. ويربط بداية هذا السقوط بتبعات هجمات السابع من تشرين الأول.
ويقول في تصريح لبي بي سي : " كان الهدف من الهجوم الذي قاده السنوار وإيران من ورائه هو فرض طوق ناري مع حزب الله لتدمير إسرائيل، ولكن هذا الطوق أصبح الآن يطال إيران نفسها. لا شك أن انهيار المحور الإيراني، الذي تمثله كل من حماس وحزب الله، يشبه كرة الجليد التي تتدحرج بقوة. وقد انتهت تداعياتها بسقوط النظام في سوريا، وستؤدي في النهاية إلى انهيار النظام في إيران".
يرى مائير أن الوقت قد حان لوضع رؤية مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية بشأن مستقبل المنطقة مضيفا أن "هذه الديناميكية ستؤثر بشكل كبير على إيران، حيث تظهر آثار ذلك في المظاهرات التي بدأت هناك، وكذلك في الضفة الغربية حيث تتزايد المطالب بإسقاط محمود عباس. كما أن هناك مخاوف من تهديد النظام في الأردن، مع إمكانية استغلال الإخوان في مصر للأحداث الجارية".
وتتفق الباحثة بالمجلس الأطلسي بواشنطن والكاتبة المتخصصة في سياسات الشرق الأوسط، علياء ابراهيمي، مع ما ذهب إليه مائير باعتبار أن هجوم 7 تشرين الاول كان حدثا محوريا في انهيار نظام الأسد، إلا أنها تعطي وزنًا أكبر للتداعيات النفسية والعسكرية التي أدت إلى تصاعد قوة المعارضة السورية.
تقول: "يمكننا رسم خط مستقيم بين هجوم حماس وسقوط الأسد. رغم وجود عوامل أخرى مهمة، مثل الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري وتأثيره على معنويات الجيش السوري، وتدخل روسيا في أوكرانيا، ونفاذ صبر تركيا تجاه الأسد، فإن تدهور القوة الإيرانية بعد السابع من أكتوبر كان العامل الحاسم."
وتكمل قائلة: "الحملة الإسرائيلية المستمرة ضد حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا تركت الأسد مكشوفًا تمامًا، في وقت كان فيه معارضوه أكثر تماسكًا وانضباطًا وتصميمًا من أي وقت مضى."
وتعتبر ابراهيمي أن تأثير الفراشة الذي بدأ في 7 تشرين الاول قد أشعل سلسلة من الأحداث غير المقصودة وتمضي شارحة: " لا بد من الإشارة إلى التأثير النفسي. فقد أظهرت حماس بشكل دراماتيكي أنه حتى أكثر القوى هيمنة لديها نقاط ضعفها، وأن ميزان القوى مهما كان يميل لمصلحة طرف فإن قلبه ممكن. وقد استلهم المقاتلون السوريون هذه الفكرة، التي قد تشعل أجزاء أخرى في المنطقة".
رغم تأكيده أن سقوط الأسد لا يمكن فصله عن تبعات 7 تشرين الاول، يعترض المحلل السياسي والكاتب في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، يوآف ستيرن، على استخدام فكرة "تأثير الفراشة"، معتبرًا أنها لا تعكس بشكل دقيق الترابط المباشر بين أحداث سوريا وبقية دول المنطقة.
ويشرح: "ما يحدث في أي بقعة من المنطقة يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على بقية المناطق. لا يمكن فصل الأحداث في سوريا عن تلك التي تقع في إسرائيل، أو لبنان أو فلسطين، وغيرها. هناك ترابط وثيق وعوامل مشتركة بين اللاعبين الرئيسيين في هذه المناطق، مثل إيران وتركيا والدول العربية وإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة. جميع هذه القوى تلعب دورًا في كل مكان تقريبًا، ما يجعل المنطقة بأكملها كيانًا مترابطًا ومعقدًا".
ويكمل أن "مفهوم تأثير الفراشة يُستخدم عادةً في سياقات تكون فيها العلاقة بين الأحداث غير واضحة وغير مترابطة، بينما في الشرق الأوسط، الصلة بين الأحداث قريبة ومباشرة، وتأثيرها يمتد بوضوح إلى دول الجوار والمناطق المجاورة".
سقوط تدريجي
لا يغفل خطار أبو دياب الأكاديمي والباحث اللبناني المتخصص في العلاقات الدولية والجيوسياسية التأثير الكبير لأحداث 7 تشرين الاول وتبعاته في انهيار نظام الأسد، إلا أنه يرى أن السقوط لم يكن لحظياً، بل جاء نتيجة تراكمات بدأت منذ الانتفاضة المدنية في 2011 والتي تحولت إلى حرب معقدة.
يقول: "القوى المتمركزة في إدلب منذ 2020 كانت تستعد لهذه اللحظة، وتزامن تحركها مع تغيرات داخلية وإقليمية ودولية زادت من ضعف النظام السوري. فبدلاً من إصلاح الأوضاع، اختار الأسد تعزيز حكمه، متورطًا في تجارة المخدرات التي حولت سوريا إلى مصدر رئيسي للكبتاغون، بينما تدنى راتب الجندي السوري وتفاقمت أزمة المفقودين والمعتقلين، مما أسهم في سقوطه المدوي". (بي بي سي)