بعد التحديات التي واجهها نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في سوريا، يبرز التساؤل حول ما إذا كان الحوثيون في اليمن سيواجهون مصيراً مشابهاً.
ويتناول هذا السؤال تأثير الضغوط السياسية والعسكرية على الحوثيين، وما إذا كان سينتج عن ذلك تغييرات كبيرة في المشهد السياسي في اليمن والمنطقة.
ويقول الباحثان آري هاستن، وناثانييل رابكين، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأميركية، إنه "مع هزيمة نظام الرئيس السوري السابق الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان وعزلته المتزايدة، يتحول الاهتمام إلى الحوثيين في اليمن"، وأضاف: "ربما يكون الحوثيون أقوى قوة بالوكالة لإيران في المنطقة، وهم بالتأكيد الأكثر نشاطاً من حيث هجماتهم على إسرائيل، وأيضاً على الملاحة الدولية في البحر الأحمر".
ومع تصاعد المواجهة بين الحوثيين وإسرائيل، وربما أميركا أيضاً، من المرجح أن يثير ذلك تساؤلات حول ما إذا كان النظام في صنعاء، سيثبت أنه ضعيف مثل شريكه السابق في دمشق.
ويرى الباحثان أنه مثل نظام الأسد، يعد الحوثيون تنظيماً فاسداً يمثل شريحة ضيقة من السكان، مما يترك الغالبية العظمى غارقة في الفقر، وأضافا: "هذا الفقر لا يعود إلى الحرب أو العقوبات بقدر ما يعود إلى الفساد النظامي والمحسوبية والعزل المتعمد. هذه الأنظمة تسهل استنزاف الشعب عبر مجموعة أدوات مشتركة، ما بين الرشى التي يطلبها المسؤولون الذين يتقاضون رواتب منخفضة، والصناعات الاحتكارية التي تفيد المقربين، والأنظمة المزورة لاستيراد البضائع، حيث تلعب الصادرات دوراً ضئيلاً في الاقتصادات المتدهورة للدول التي تدور في فلك إيران".
ويضيف الباحثان أن "إصلاح المؤسسات الحكومية أمر غير ممكن، حيث إن تعطلها هو خيار متعمد لضمان استفادة داعمي النظام من التفوق الاقتصادي والاجتماعي".
وأدت مستويات الفساد والاستغلال المرتفعة، إلى جعل نظامي الأسد والحوثيين غير محبوبين بشكل عميق، مما اضطرهما للاعتماد على الأجهزة الأمنية القمعية للحفاظ على السلطة. كذلك، أصبح التوجيه الأيديولوجي من خلال الإعلام والتعليم، وتصوير هذه الحكومات كمدافعة عن الاستقلال الوطني ضد الاستعمار، أقل إقناعاً مع تزايد معاناة الشعب على يد النظام وتزايد الاعتماد على الرعاة الأجانب، خاصة إيران.
ورغم هذه التشابهات، تشير الفروق الرئيسية بين نظامي الأسد والحوثيين إلى أن مساراتهما قد تختلف. والقيادة الحوثية أصغر سناً وأكثر حيوية من جماعة الأسد المتقدمة في العمر. على سبيل المثال، رئيس جهاز المخابرات الحوثي، عبد الحكيم الخيواني، لم يتجاوز الـ 40، بينما كان نظيره السوري، حسام لوقا، يقترب من الـ 65 قبل سقوط الأسد.
وعلاوة على ذلك، بعد 10 سنوات من السيطرة على صنعاء، لا يزال الحوثيون في المراحل المبكرة من حركة ثورية متطرفة. وفي المقابل، أصبح نظام الأسد سلالة راكدة وفارغة من الأيديولوجيا بعد 50 عاماً في السلطة.
ويختلف قادة الحوثيين أيضاً في مواجهتهم المحتملة للتحديات. وعلى عكس الأسد، الذي هرب في النهاية إلى روسيا، قد يعود قادة الحوثيين إلى أساليب حرب العصابات في المناطق الجبلية باليمن . ونادراً ما كان العديد من كبار قادة الحوثيين يغادرون اليمن، مما قد يجعلهم أكثر ميلاً للمقاومة حتى النهاية، بدلاً من البحث عن اللجوء في الخارج.
ويقول الباحثان إنه "في حين أن بقاء الحوثيين على المدى الطويل لا يزال غير مؤكد، فإن نظامهم يواجه أزمة متزايدة في الشرعية".
وتتسع الفجوات في أساساته، وتعتمد القيادة بشكل متزايد على العنف الوحشي لقمع المعارضة. ويبدو أن الانهيار في النهاية أمر محتمل، لكنه ليس بالضرورة وشيكاً.
وقد تسرع الإجراءات الحاسمة من قبل الجهات الإقليمية والعالمية المعارضة لـ "نشاط الحوثيين" من سقوطهم، ويجب على الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما تكثيف الضغط السياسي والمالي والعسكري على الحوثيين، فقطع قدرتهم على تحويل المساعدات الإنسانية سيضعف وضعهم المالي بشكل كبير، وفق ما يقول الباحثان.
وبحسب الباحثين، فقد تجعل الأزمات الحالية التي تواجه حزب الله اللبناني، وقوة القدس الإيرانية هذه اللحظة فرصة للضغط على النظام الحوثي. وعلى الرغم من أن الحوثيين ربما كانوا يستمدون الثقة في السابق من دعم طهران، من المرجح أن يعيدوا تقييم هذا التقدير في ضوء الأحداث الأخيرة في سوريا.
وقد يخلق ذلك فرصة للضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم على البحر الأحمر. ومع ذلك، حتى هذا سيكون فترة راحة مؤقتة، وليس حلاً حقيقياً للتهديد طويل الأمد الذي يشكله الحوثيون على الدول الأخرى في المنطقة، ناهيك عن رعاياهم، كما يقول التقرير.
ويتساءل الباحثان: كيف قد يحدث سقوط الحوثيين؟ ويقولان إن التغيير الحقيقي في اليمن يتطلب 3 تطورات رئيسية:
- أولاً، يتطلب التغيير زيادة في غضب الشعب نتيجة للمتاعب التي يعاني منها السكان اليمنيون، والتي تتعلق غالباً بالظروف الاقتصادية، وربما أيضاً بالغضب من فرض وجهات نظر دينية تتناقض مع معتقدات غالبية السكان.
- ثانياً، يجب أن يحدث فقدان التأييد أو الدعم من الفئات الرئيسية من النخب، والتي يمكن أن تكون من البيروقراطيين الحوثيين أو القبائل المتحالفة التي يعتمد عليها النظام في قمع المعارضة.
- ثالثاً، يجب أن يؤدي عدم الاستقرار إلى إحداث شرخ داخل طبقة القيادة، ناتج عن الضغوط الخارجية على النظام أو الصراعات الداخلية على السلطة، حيث قد تنشأ صراعات على السلطة بشكل طبيعي داخل النظام، ولكن قد يتم تسريعها بواسطة أحداث مفاجئة وكبيرة، مثل موت أو اغتيال شخصيات رئيسية داخل القيادة.
ويقول الباحثان إن "كل هذه العوامل مجتمعة ستترك النظام في حالة من الفوضى، غير قادر على الحفاظ على قبضته القاسية على 20 مليون يمني، وقد يخلق هذا بدوره زخماً سيجعل من الصعب على النظام تغيير اتجاهه".
ويوضح الباحثان أن مسألة كيفية تحقق هذه العملية هي أمر ليس تحت سيطرة أي شخص، وبالتأكيد ليس تحت سيطرة أي قوة خارج اليمن. ومع ذلك، تشير التجربة السورية إلى أن الضغط المستمر والتنسيق مع قوى المعارضة، سيكون أكثر فاعلية من محاولة التفاوض مع نظام مكرس للقمع الداخلي والعدوان الخارجي. ومثلما حدث مع الأسد، سيفقد الحوثيون السلطة يوماً ما، وسيتذكر اليمنيون من ساعدهم في ساعة حاجتهم ومن لم يساعدهم.
واختتم الباحثان تقريرهما بالقول: "الحفاظ على الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي أمر حاسم. فحرمان النظام من الشرعية وفرص تحويل المساعدات الأجنبية هو عنصر أساسي في هذا الجهد. وتظهر تجربة الأسد أن هؤلاء "الطغاة" لا يدومون إلى الأبد وأن الاستثمار في علاقات دبلوماسية طويلة الأمد معهم هو رهان خاسر". (24)