ذكرت صحيفة "The Hill"الأميركية أنه "في الأشهر التي تلت بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في تشرين الأول 2023، لم تستغل الصين الصراع لانتقاد إسرائيل فحسب، بل وأيضاً الولايات المتحدة وموقفها في المنطقة. لسنوات، كان الدبلوماسيون الصينيون حريصين على اتباع خط وسطي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وضبطوا لغتهم لتجنب الإساءة إلى أي من الجانبين بشكل كبير. ومع ذلك، مع استمرار الصراع على مدار العام الماضي، ومع تزايد انتقادات المنطقة للولايات المتحدة، شعرت بكين بفرصة لتقليص مكانة أميركا مقابل تعزيز مكانتها".
وبحسب الصحيفة، "لقد أغفل المسؤولون الصينيون بانتظام ذكر فظائع حماس بينما انتقدوا إسرائيل والولايات المتحدة على دعمها.وفي أيلول، انتقد ممثل صيني لدى الأمم المتحدة الولايات المتحدة بسبب "حماية" إسرائيل ودعا واشنطن إلى اتخاذ "موقف مسؤول" في ما يتعلق بالصراع، كل ذلك في حين صور جهودها على أنها تعكس بشكل أكبر إجماع "أغلبية البلدان". ولكن الآن، قدم انهيار نظام بشار الأسد في سوريا للولايات المتحدة فرصة مماثلة. لسنوات، انحازت بكين باستمرار إلى الأسد في قمعه الوحشي للمعارضة. في عام 2023، استضاف الرئيس الصيني شي جين بينغ الزعيم السوري وزوجته في بكين، وتعهد بعلاقات أعمق ورغبة في "حماية العدالة والإنصاف الدوليين بشكل مشترك"."
ورأت الصحيفة أن "حساب بكين للدعم كان مزدوجًا. من ناحية، أثارت التدخلات الخارجية في ثورات الربيع العربي الأخرى مثل ليبيا مخاوف بكين، التي أصرت منذ فترة طويلة على مبادئها المتمثلة في "عدم التدخل" و"احترام السيادة". وكانت الصين تستخدم حق النقض باستمرار ضد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تنتقد النظام أو تتعارض مع روسيا ومصالح النظام. ومن ناحية أخرى، واجه الأمن الداخلي في الصين تحدياً مع وصول الجماعات المتطرفة العنيفة إلى ساحة المعركة في سوريا. فقد بدأ الصينيون الأويغور يتدفقون إلى سوريا في عام 2013 للقتال والتدريب مع جماعات متطرفة عنيفة أخرى. ومن الصعب الحصول على أرقام دقيقة، ولكن في مرحلة ما زعم المسؤولون السوريون أن حوالي 5000 مقاتل من الأويغور كانوا في البلاد، وكانت بكين تخشى منذ فترة طويلة أن يعود هؤلاء المقاتلون إلى ديارهم ما سيتسبب بإثارة الاضطرابات".
وتابعت الصحيفة، "في أعقاب الإطاحة بالأسد، سارعت بكين إلى إعادة ضبط رسائلها. فقد دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية إلى الاستقرار وأعرب عن رغبة الصين في أن "يقرر الشعب السوري مستقبل ومصير سوريا". كما غيرت وسائل الإعلام الصينية الرسمية وصفها لجماعات المعارضة السورية بأنها "إرهابية" إلى "قوات مسلحة معارضة". لا شك أن الصين ستحاول أن تضع نفسها في موقف موالٍ لأي سلطة حاكمة تنشأ في سوريا، وسوف تتمكن بكين من تقديم الاعتراف والمساعدة في إعادة الإعمار. وفي الواقع، كانت الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط سريعة: ففي عام 2023، توسطت بكين في اتفاق دبلوماسي بين إيران والمملكة العربية السعودية بعد سنوات من العداء، وحاول الدبلوماسيون الصينيون مراراً وتكراراً تحقيق الانسجام بين الفلسطينيين. ولن ترغب الصين في إهدار مكانتها المتزايدة في المنطقة، وسوف تسعى بكين إلى خلق تفاهم مع أي شخص يبرز في الأشهر المقبلة".
وأضافت الصحيفة، "لكن قد يكون تسلق هذا التل أصعب مما تأمل بكين. ويلقي العديد من السوريين باللوم بحق على روسيا وإيران لتمكين نظام الأسد من البقاء في السلطة كل هذه السنوات. ورغم أن الصين لم تكن متورطة في سوريا بقدر روسيا أو إيران، فقد أصبحت أقرب إلى كل من البلدين في السنوات الأخيرة. وعلاوة على ذلك، أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى إرهاق اقتصادها وجيشها، مما أدى إلى الاعتماد المفرط على الصين وإيران وكوريا الشمالية. وقد يتردد العديد من السوريين في احتضان بكين عن كثب، نظرا لعلاقاتها مع موسكو وطهران. وهذا أيضا يمثل فرصة للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى لدق إسفين بين الحكومة السورية الجديدة وداعميها التقليديين".
وبحسب الصحيفة، "إن إدارة دونالد ترامب المقبلة لديها فرصة نادرة. قد يعتقد ترامب أن سوريا "ليست معركتنا"، لكن المنافسة مع الصين هي معركتنا إلى حد كبير وستكون بلا شك محورا لإدارته. هنا، في سوريا، هناك فرصة للولايات المتحدة لزيادة موقفها على حساب الصين. وتتطلع بكين إلى دول الشرق الأوسط لإثبات مكانتها كقوة عالمية. وربما لا تحاول الصين أن تحل محل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكنها تعمل على زيادة علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية في محاولة لاستمالة زعماء المنطقة وعامة الناس بعيداً عن الولايات المتحدة".