ذكرت صحيفة "South China Morning Post" الصينية أنه "هناك عقود لا يحدث فيها شيء وهناك أسابيع تحدث فيها عقود. هذا هو الشرق الأوسط اليوم. لقد أدى سقوط نظام بشار الأسد في سوريا إلى إحداث فراغ في القوة الإقليمية. إن أزمة عدم اليقين هذه تقدم فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية. في العقود الأخيرة، شهد الشرق الأوسط العديد من محاولات إعادة الضبط الفاشلة، والآن لقد حان الوقت لتغيير المسار وعكس الدورة، كما وحان الوقت لكي تقود الجهات الفاعلة الإقليمية، وليس اللاعبين الخارجيين، عملية تشكيل التغيير".
وبحسب الصحيفة، "إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لسوريا يمنحها نفوذاً هائلاً، فهي تشكل محوراً للأمن الإقليمي لأنها تقع في قلب الشرق الأوسط وتحد العديد من البلدان، وكل الدول المسؤولة لديها مصلحة راسخة في استقرار سوريا. وفي هذا السياق المهم، كانت أول زيارة خارجية لوفد من الحكومة الانتقالية السورية إلى المملكة العربية السعودية بمثابة اختراق سياسي كبير.إن كلا الجانبين مدفوعان بالبراغماتية والواقع السياسي، وليس بالتقارب الإيديولوجي. ولم يتوقف العداء التاريخي للمملكة مع الحركات الإسلامية، لكن السعوديين يقبلون أن الحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام تمتلك السلطة ويجب أن تتعامل معها لممارسة النفوذ في سوريا، والهدف هو منع انتشار التهديدات إلى المملكة العربية السعودية وخارجها. وبفضل مواردها الهائلة، يمكن للسعوديين أن يلعبوا دوراً لا غنى عنه في مستقبل سوريا، وخاصة استبدال إيران كمورد رئيسي للطاقة لسوريا".
وتابعت الصحيفة، "بعد ما يقرب من 14 عاماً من الحرب وسوء الإدارة الاقتصادية والعقوبات، تحتاج سوريا بشدة إلى اعتراف دبلوماسي أكبر لرفع العقوبات التي فرضت في عهد الأسد، كما تحتاج هيئة تحرير الشام إلى إزالتها من قوائم الإرهاب، وهذا من شأنه أن يطلق العنان للمساعدات المالية الدولية الحاسمة. وقبل أسبوع، دعا مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة النظر في العقوبات المفروضة على سوريا. وقد بدأت عملية إذابة الجليد، ولكن خطاب الحكومة السورية الانتقالية ورفضها للانتماءات المتطرفة السابقة، على الرغم من كونه مشجعاً، يجب أن يكون مدعوماً بالأفعال. وبما أن حدودها مع سوريا تمتد لمسافة 900 كيلومتر، فقد كانت تركيا أكبر داعم للقوى المناهضة للأسد. فقد وفرت الموارد الأساسية والملاذ لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري. وفي الوقت نفسه، قدم رأس المال الدبلوماسي والاقتصادي الهائل من قطر دعماً إضافياً حاسماً".
وأضافت الصحيفة، "مع الإطاحة بالأسد، خسرت إيران في سوريا ولكنها لم تخرج منها، ولا ينبغي لنا أن ننبذ إيران تماماً لأنها لا تزال قادرة على تعقيد الأمور بالنسبة لدمشق. وعلى طول حدودها الممتدة لستمائة كيلومتر مع سوريا، تواجه العراق العديد من المخاوف، وخاصة احتمال زعزعة الاستقرار في المحافظات الغربية ذات الأغلبية السنية. ورغم أنها تقع من الناحية الفنية تحت مظلة الحماية الأميركية، فإن الأردن تظل عُرضة للخطر على طول حدودها الممتدة لثلاثمائة وستين كيلومتراً مع سوريا. أما بالنسبة للبنان، فهناك فرصة تاريخية لإنشاء دولة أكثر فاعلية مع تقليص التدخل الخارجي. وربما يكون حزب الله، حليف الأسد السابق، قد تراجع على المستوى الإقليمي، ولكنه يظل قوة مسلحة لا يستهان بها. وتضمن الجغرافيا أن تستمر الأحداث في سوريا في تشكيل مستقبل لبنان".
وبحسب الصحيفة، "منذ سقوط دمشق، زارت وفود أجنبية عديدة العاصمة السورية لتقييم أصحاب السلطة الجدد. وفي الواقع، لا تستطيع سوريا الهروب من الجغرافيا السياسية من خارج الشرق الأوسط. وقبل بضعة أيام، التقى وفد أوروبي يضم وزيري خارجية فرنسا وألمانيا بالزعيم السوري أبو محمد الجولاني في دمشق. وبالتنسيق إلى حد كبير مع القوى الإقليمية، كانت توقعاتهم العامة واضحة: لا دعم للتطرف، ولا أسلحة كيميائية، ولاحترام الأقليات وإدماجها. بالإضافة إلى ذلك، أراد الأوروبيون إخراج القواعد الروسية من سوريا. وكانت الحكومة الجديدة حتى الآن منفتحة على المناقشات، بهدف انتزاع التنازلات الدبلوماسية والاقتصادية حيثما أمكن، وهي تتفاوض مع روسيا بشأن قواعدها البحرية والجوية الاستراتيجية. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فقد لا يكون مستداما سياسيا".
وتابعت الصحيفة، "زار وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيا دمشق مؤخرًا بحثًا عن شراكة استراتيجية مع الحكومة الجديدة،وتسعى أوكرانيا إلى مواجهة النفوذ الروسي وتسجيل نقاط دبلوماسية مع حلفائها في الولايات المتحدة وأوروبا. علاوة على ذلك، تريد أسواقًا جديدة لصادرات الحبوب الأوكرانية واستبدال روسيا كمورد غذائي رئيسي لسوريا. كما وأرسلت أوكرانيا ما لا يقل عن 20 شحنة مساعدات من الدقيق. وقطعت كييف العلاقات مع نظام الأسد بعد غزو روسيا عام 2022 ودعمت قوات المعارضة السورية بتكنولوجيا الطائرات من دون طيار، وقد أدى هذا إلى بناء علاقات قيمة. بالإضافة إلى ذلك، تشترك كل من والحكومة الأوكرانيةوالسورية الجديدة في سرد سياسي مشترك باعتبارهما ضحايا للعدوان الروسي".
وبحسب الصحيفة، "لقد كان احتواء التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من أهم المصالح الأميركية طيلة الحرب الأهلية في سوريا. وحتى الآن، أثبتت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، والتي تهيمن على شرق سوريا، أنها شريك موثوق. وربما تفكر الحكومة الانتقالية السورية في لعب دور أكثر نشاطا في هذا الصدد، وخاصة إذا تمكنت من التوصل إلى شكل من أشكال التسوية مع قوات سوريا الديمقراطية. وعلى الرغم من الدعم الدبلوماسي السابق لعائلة الأسد، فإن استراتيجية الصين في الشرق الأوسط لم تتقوض بشكل أساسي بسبب انهيار النظام،ولا تزال الصين لاعباً اقتصادياً إلى حد كبير. وتكمن مصالحها في المقام الأول في منطقة الخليج مع الدول المنتجة للطاقة مثل إيران والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. وفي سياق جيوسياسي أوسع، تشعر الصين بقلق أكبر بشأن موثوقية شركائها الرئيسيين في الأمد البعيد، روسيا وإيران. وباعتبارهما الداعمين الرئيسيين للأسد، فقد أذلهما انهيار النظام المفاجئ".