ذكر موقع "Middle East Eye" البريطاني أن "حرب غزة سوف تنتهي، كما تنتهي كل الحروب في نهاية المطاف. ولكن تداعياتها وعواقبها سوف تكون فريدة من نوعها، سواء من حيث طبيعتها أو عمقها. وبغض النظر عما إذا كان وقف إطلاق النار وشيكاً أو إلى متى ستستمر الحرب، فإن معالم نهايتها بدأت تتشكل بالفعل، مع وضوح صورة ما بعد ذلك. لقد تم تدمير غالبية غزة إلى الحد الذي جعلها غير صالحة للسكن، كما واستشهد عشرات الآلاف من الناس، وأصيب كثيرون آخرون بتشوهات.
من المؤكد أن إطالة أمد الحرب من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم معاناة شعب غزة، ولكنه لن يغير بشكل كبير المسار العام للصراع".
وبحسب الموقع، "من الناحية السياسية، سوف تشمل النتائج المباشرة إضعاف إسرائيل لحماس عسكرياً، وهو ما قد يجبر الحركة على تغيير استراتيجياتها. وقد تفقد حماس في نهاية المطاف السيطرة على غزة، وسوف يستغرق الأمر سنوات لإعادة بناء بنيتها التنظيمية. ولكن هذه ليست القصة كاملة، فبغض النظر عن تدمير غزة، لا تستطيع إسرائيل أن تتجاهل القضية الفلسطينية باعتبارها المحرك المركزي للمشهد السياسي في الشرق الأوسط.في الواقع، لقد أكدت هذه الحرب بلا شك أن القضية الفلسطينية لا يمكن تجاهلها من خلال التدابير الأمنية، ولا من خلال التطبيع العربي مع إسرائيل. وقد أشار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك أمن أو سلام دون أن يحقق الفلسطينيون حقوقهم الوطنية. وهذه المعادلة لا زالت قائمة حتى اليوم".
أساليب جديدة للمقاومة
وبحسب الموقع، "إلى جانب معركتها ضد حماس، حاربت إسرائيل لأكثر من عام من أجل تهجير الشعب الفلسطيني من غزة، ولكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف. وباستهداف المستشفيات والمدارس والجامعات والمنازل وإمدادات المياه والطواقم الطبية والصحفيين، حاربت إسرائيل وسائل الحياة ذاتها في غزة، ولكن حتى يومنا هذا، لا يزال الشعب الفلسطيني هناك. وهذا فشل أيديولوجي واستراتيجي وأخلاقي من جانب إسرائيل. فقد فشل المشروع الصهيوني الديني والقومي اليميني في تحويل غزة إلى "أرض بلا شعب"."
وتابع الموقع، "إن هذا الفشل يتردد صداه في الضفة الغربية المحتلة وخارجها. ورغم أن إسرائيل ربما اعتبرت غزة أرض اختبار لسياساتها، إلا أن هناك شكوكاً جدية في إمكانية نشوء مثل هذه الفرصة في الضفة الغربية. وحتى لو أتيحت الفرصة، فمن المؤكد تقريباً أن هذه الفرصة سوف تفشل. إن فشل خطة إسرائيل لدفع الفلسطينيين إلى الخروج من غزة، على الرغم من التكاليف الباهظة المترتبة على ذلك، يعني أن إسرائيل لن تكون قادرة على تجنب مواجهة الواقع الفلسطيني سياسياً. وسوف يستخلص الفلسطينيون أيضاً استنتاجاتهم الخاصة بعد الحرب. فقد شهدوا عبثية المفاوضات، التي أتاحت الوقت لمزيد من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وسرقة الأراضي، كما شهدوا كيف أرست أعمال المقاومة المتهورة الأساس لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة".
وأضاف الموقع، "دفع هذا العديد من الفلسطينيين إلى التفكير في وسائل بديلة للمقاومة. ويشير التاريخ إلى أنه عندما تبدو كل الطرق مغلقة، فإن الفلسطينيين ما زالوا يجدون طريقاً إلى الأمام. واليوم، ومع إغلاق الأبواب، سيجد الفلسطينيون طريقاً جديداً ومبتكراً، والذي قد يتخذ شكل "الصمود الإيجابي" الذي يركز على المثابرة والبقاء في وطنهم. إن هذا النهج واسع النطاق، ويشمل أدوات متعددة للمقاومة، ولديه القدرة على تعبئة كل طاقات الشعب الفلسطيني".
المصالح الخاصة
وبحسب الموقع، "أما بالنسبة للمنطقة، فإن القوى ذات المصالح الخاصة لم تعد قادرة على تحمل آثار هذا الصراع غير العقلاني الذي يهددها بشكل مباشر. لقد فقدت إيران محور نفوذها. وفقدت الولايات المتحدة هيمنتها على البحر الأحمر. وشهدت روسيا زعزعة استقرار قواعدها في سوريا. وتتعرض دول الخليج لضغوط محسوبة وغير متوقعة. وقد أطلقت تداعيات هذه الحرب العنان لمخاطر وتغييرات هائلة. ولهذا السبب، أصبح الحل السياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ضرورة دولية، على الرغم من المصالح المختلفة والمتضاربة. وفي حين أن هذه العملية سوف تستغرق وقتا، فإن المسار سيكون لا رجعة فيه، حتى لو كان التقدم بطيئا".
وتابع الموقع، "في أعقاب حرب غزة مباشرة، قد تهيمن "النجاحات" الإسرائيلية في سوريا أو لبنان على المشهد. ولكن في الشرق الأوسط، حيث التغيير هو الشيء الوحيد الثابت، قد يتحول المد بسرعة، تمامًا كما حدث في أعقاب حرب عام 1982. لقد خلق سقوط نظام الأسد في سوريا المزيد من عدم اليقين، ولا يزال من غير الواضح كيف سيتردد صدى صراع غزة في مصر والأردن في السنوات المقبلة. لا توجد إجابات واضحة لهذه الأسئلة ولا تداعيات عميقة على مستقبل المنطقة، ولكن هناك شيء واحد مؤكد: لن يكون العصر الذي يلي السابع من تشرين الأول 2023 كما قبله".
تغيير الرأي
وبحسب الموقع، "بمجرد أن تهدأ غبار الحرب، فإن التحولات الأوسع نطاقاً في الرأي العام في مختلف أنحاء أوروبا والولايات المتحدة سوف تبدأ في الظهور على المستوى السياسي. ومن المؤكد أن أي شخص يراهن على الوقت لاستعادة صورة إسرائيل كضحية أو واحة ديمقراطية سوف يخسر ذلك أن حجم الإبادة الجماعية هائل للغاية. وسوف يتحول دعم إسرائيل إلى وصمة أخلاقية في جبين الساسة. إن هذا التغيير ليس بعيداً، وسوف يخلف عواقب على السياسات الإسرائيلية. ففي حين لا تعطي إسرائيل الأولوية للرأي العام العالمي وتركز فقط على الدعم الأميركي، فإن الولايات المتحدة لابد وأن تهتم بالرأي العام العالمي. ولهذا السبب، لابد وأن تأخذ الولايات المتحدة في الحسبان المواقف العالمية، ليس من منطلق الاعتبارات الأخلاقية، بل بسبب مصالحها الاستراتيجية. وفي الوقت عينه، عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني، فإن نتائج هذه الحرب سوف تكون غير قابلة للقياس. ومع تخلي العالم عن الشعب الفلسطيني لسياسات الإبادة الجماعية والتعذيب والتجويع التي تنتهجها إسرائيل، فإن العقلية الفلسطينية سوف تتغير".
وختم الموقع، "عندما تنتهي الحرب، ربما تكون إسرائيل قد حققت مظهر النصر، ولكن من منظور استراتيجي، لم تنتصر".