كتبت "العربية":
لم يعتمد نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد (1930-2000)، على المؤسسة العسكرية والأمنية وحكم البلاد بالحديد والنار، وحسب، في تثبيت دعائم حكمه. بل لجأ إلى سلاح آخر، هو المنامات التي حلم بها، قريبون منه، أو رجال من نظامه، لاستعمالها لتصفية خصومه، خاصة في أدق اللحظات التي عاشها، كان في عدد منها، مهددا باقتلاع من كرسيه وسقوط نظامه.
في المقابل، استعمِل المنامُ، لصالح حماية نظام ابنه بشار إثر ثورة السوريين عليه عام 2011، فانتشر كلام سرب نقلا من عائلته، عن منام عن انتصاره وعودته "مظفراً". إلا أن المنامات، عملت بصورة مباشرة أكثر في صالح ترسيخ حكم أبيه، فحكم بها، وحمى نظامه في واحد منها، وحُسِّنت سمعته، في بعضها. بحسب ما ذكره أقرب الناس منه في مؤلفاتهم.
وتشير المؤلفات التي تحدثت عن حكم الأسد، عن استعماله ثلاثة منامات، في تثبيت دعائم حكمه بالتخلص من خصومه ثم الاستيلاء على السلطة. وكان أول منام فيها، قبل يومين من انقلاب 1970 الذي كان من الممكن أن يكون سنة إقصائه تماما من السلطة والزج به في السجن، إلا أنه استعان بمنام زوجته، عندما عاد إلى البيت، غاضبا وقلقا مما دار في مؤتمر حزب البعث المنعقد في تلك المرحلة.
زوجة الأسد حلمت بانتصار زوجها على خصومه
ويتحدث الكاتب والصحافي البريطاني باتريك سيل، في كتابه "الأسد، الصراع على الشرق الأوسط" عن مرحلة ما قبل "منام" زوجة الأسد، ويقول إن زوجها حافظ، كان يواجه خطر التجريد من منصبه في مؤتمر "البعث" الذي انعقد في 30 تشرين الأول عام 1970 وأن خصم حافظ العنيد، صلاح جديد، كان يخطط لإقصائه، حيث دارت مواجهات كلامية وصفت بالعنيفة بين المؤتمرين، ثم عاد حافظ إلى بيته، غاضباً وقلقا من خطورة الموقف.
ويكشف باتريك سيل، أن حافظ الأسد، عاد إلى بيته، وأخبر زوجته أنيسة مخلوف، بأن الموقف "عصيب" للغاية، فما كان منها، إلا وأن طلبت من حافظ أن يخلد إلى النوم، وعندما استيقظ من نومه أخبرته بحلم حلمته، وبعدما شرحت له تفاصيل المنام، قالت لحافظ الأسد: "إنك لمنتصر على أعدائك، ولسوف تكون أقوى زعيم عربي" وقال الكاتب سيل، إن هذا المنام، كان قبل يومين من قيام حافظ، بالاستيلاء على السلطة وإزاحة خصومه باعتقالهم.
منام وزير دفاعه بانتصار جيشه
وكان لمصطفى طلاس، وزير دفاعه، منامٌ، هو الآخر، وصبَّ في صالح تثبيت حكم حافظ الأسد، في لحظة لا تقل خطورة عن عام 1970، عندما كان معرضا للتجريد من كل مناصبه والزج به في السجن.
وكشف مصطفى طلاس، في كتابه "مرآة حياتي" تفاصيل منام، حلم به في عام 1984، في عز الخلاف الذي نشب بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت الذي كان يسعى للانقلاب عليه، حيث انتشرت القوات العسكرية التابعة للطرفين، في العاصمة دمشق، وكانت الحرب ستقع في أي لحظة، بسبب الجهوزية الكاملة التي ظهرت على كتائب الرجلين، حافظ ورفعت، إلا أن مناماً لمصطفى طلاس، كشف مصير تلك المعركة وإجهاض الانقلاب.
ويقول طلاس إن حافظ الأسد، طلب منه، عدم النوم يومياً، في مكتبه، حماية له، وكي يموّه على مكان إقامته، بتغيير مكان المبيت، خوفا من حصول أي حادث أمني في ظل التوتر الكبير بين قوات حافظ وقوات رفعت.
وأكد طلاس أنه حلم بحلم، من ثلاثة أجزاء، وأنه بعيد انتهاء الأزمة بين حافظ ورفعت، علم بأن رفعت الأسد كان أمر نقيبا في الجيش بإطلاق قذيفة ثلاث مرات، وأنه في كل مرة كان يأتيه أمر القصف، كان يأتيه أمر معاكس، بعدم القصف، ليعلق طلاس على المنام وعلى قصة النقيب: "وهكذا كانت العناية الإلهية تحرس مبنى القيادة العامة".
منام مترجمته بتأليف لتحسين سمعته
وإذا كان منام زوجة الأسد مهد لزوجها القضاء على خصومه والاستيلاء على السلطة، فإن المنام الثاني، لوزير دفاعه مصطفى طلاس، بُنِيت عليه، دعائم حماية نظام حافظ، بوجه سعي شقيقه رفعت للانقلاب عليه، فيأتي المنام الثالث، من مترجمة حافظ الأسد الشهيرة، بثينة شعبان، ليحسّن صورة حافظ الأسد وتحسين "سمعته".
وقالت بثينة شعبان، في كتابها "عشرة أعوام مع حافظ الأسد" إنها رأت حافظ الأسد في المنام، وذلك بعد سنة من وفاته، أي في عام 2001، لأنه توفي في عام 2000، وسردت ما رأته في المنام، من حوار تفصيلي بينها والأسد، وقالت: "بعد سنة من وفاته، شاهدته في الحلم، قال لي: يا بثينة! لماذا لم تكتبي حتى الآن عن المرحلة التي عملتِ بها معي؟" فردت عليه بثينة في المنام أيضا: "لأنني لم أعرف من أين أبدأ؟ وما نوع الكتاب الذي يجب أن أكتبه. هل ينبغي لي أن أكتب عن طفولتك وشبابك وعائلتك وحياتك المهنية؟"
وتكشف بثينة التي عملت مترجمة لحافظ الأسد مدة طويلة، أنه أوضح لها، ما الكتاب الذي يريد أن تؤلفه عنه، بل إنه قال لها في المنام، عدد فصول الكتاب المراد تأليفه: "لا، لا. ليس عليكِ الكتابة في كل تلك الأمور. يكفي كتاب من أربعة فصول" كما قالت موضحة طبيعة هذه الفصول وعناوينها أيضا، كما وردت في "المنام".
وانتهت بثينة، إلى أن ما قاله حافظ في المنام، فهمت منه أن حافظ الأسد يريد أن "أكتب الحقيقة عنه، وأن أبدد الأفكار الخاطئة جدا في الغرب عن سُمعته".
واقع أسقط منامات الأسد
ومن الجدير بالذكر أن استعمال المنامات سلاحاً في نظام الأسد، انتقل إلى بشار الأسد أيضا. إذ تداول عدد من أهالي الساحل السوري، تصريحات لمحمد مخلوف، خال الأسد، عقب اندلاع الثورة السورية على بشار عام 2011، ذكر فيها، أنه هو الآخر حلم حلماً، ورأى في منامه، أن بشار الأسد يحمل بيديه "مفاتيح سوريا مظفراً غانماً بعد أشهر سفر وغياب في جزيرة بعيدة!".(العربية)