نشر موقع "بلينكس" الإماراتي تقريراً جديداً سرد قصة الأسير الفلسطيني المحرر أنس الأقرع الذي تم الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل أسرى بين "حماس" وإسرائيل يوم 25 كانون الثاني الماضي.
وسرد التقرير تفاصيل عودة الأقرع إلى حضن عائلته، عاكساً أجواء الفرح بالرجوع بعد طول غياب، كاشفاً عن تفاصيل لحظة "اللقاء الأول" بعد أيام قاسية قضاها في السجون الإسرائيليّة.
وجاء في التقرير: بصوت متقطع ومجهود واضح لجمع الكلمات، حاول الأسير الفلسطيني المحرر أنس الأقرع، التعبير عن فرحته العارمة بخروجه من السجن ضمن صفقة تبادل الأسرى في 25 كانون الثاني، لكن خانته الكلمات وتلعثم، فاكتفى بترديد "الحمد لله".
عاد أنس إلى منزله في قرية قبلان قضاء نابلس، لكنه لم يعد كما كان، فقد ترك السجن بصماته القاسية على جسده النحيل وصوته، ونال كلياً من قدرته على السمع، هكذا يقول والده لبلينكس.
ومن بين مئات الفلسطينيين كانت إسرائيل قد أعلنت الإفراج عنهم خلال عملية تبادل الأسرى في صفقة وقف إطلاق النار، كان أنس الأقرع واحداً منهم.
اللقاء الأول مع أنس بعد تحريره كانت لحظة صادمة لأسرته، فبدلًا من أن يحتضنوه بقوة، وقفوا أمامه في ذهول، غير قادرين على استيعاب مدى التغيير الذي طرأ عليه.
والده، الذي ظل يحلم بهذه اللحظة، لم يتمكن من كبح دموعه وهو يصف حالة ابنه عند رؤيته لأول مرة بعد الإفراج عنه.
"كان في حالة صحية سيئة جدًا.. الدماء كانت تغطي جسده من قدميه حتى صدره وظهره، بل حتى كانت تنزل من أذنيه.. لم يحصل على أي علاج أو رعاية طبية طوال فترة أسره".
"فقد القدرة على السمع.. وأصبح يخشى النوم"، يقول أبوأنس.
التعذيب الجسدي أثر كليًا في الشاب اليافع وفي قدرته على التواصل مع من حوله. يقول والداه: "كان أنس يعاني قبل الأسر من تلعثم بسيط في الكلام، لكن السجن جعل تقطيعه في الكلمات أكثر وضوحًا، حتى أصبح من الصعب فهمه بشكل كامل، أما سمعه، فتراجع إلى 5% فقط بسبب الضرب المتكرر على رأسه".
لم يعد أنس كما كان، فالأسر لم يسلبه فقط صحته الجسدية، بل زرع بداخله خوفًا لا يفارقه حتى بعد التحرر.
"كانوا يدخلون عليه وهو نائم ويضربونه بعنف.. لم يعد يستطيع النوم بشكل طبيعي، ففي أول ليلة له في المنزل، كان ينتفض مع أي صوت مرتفع، يظن أنهم سيعودون لتعذيبه"، يقول والده بحزن شديد.
فرحة الحرية رغم الألم
"رغم كل ما جرى أشعر بفرحة لا توصف بعد تحرري، فقد كانت أيام السجن صعبة وثقيلة"، يقول أنس بصعوبة لبلينكس، محاولًا رسم ابتسامة واهنة على وجهه.
يتذكر أنس ذكرياته قبل السجن، قائلًا: "كنت شابًا مليئًا بالحياة، أتمتع بصحة جيدة، أتحدث بطلاقة، وأمارس الرياضة بشكل منتظم".
يردف: "كل شيء تغير في لحظة عابرة بعد أن قبض علي وزُج بي في السجن لشهور، كانت الأيام قاسية بكل تأكيد"، يؤكد أنس، "لكن مرارتها زادت مع حرب غزة الأخيرة".
أيام السجن القاسية وآلامها ما تزال محفورة في ذاكرة السجين الخارج حديثًا، حيث اشتدت ويلاتها مع اشتعال الحرب في غزة ولم تتوقف حتى وضعت الحرب أوزارها.
فمع الأيام الأولى للحرب، لم يعد للسجناء أي حقوق، ولا طعام، ولا شراب، ولا دواء، فقط تعذيب مستمر وضرب وحشي.
"جسدي كله كان متورمًا ومغطى بالدماء، ولم يهتم أحد بمداواتي"، هكذا وصف أنس الأشهر الـ7 الأخيرة التي قضاها خلف القضبان، حيث كان يُترك في زنزانته مضرجًا بدمائه بعد كل جلسة تعذيب، وكأن السجن كان مصممًا ليتحول إلى آلة لطحن الروح والجسد معًا.
"في حضني هذا أهم شيء"، تقول والدة أنس لبلينكس، باكية، غير أنها تؤكد أن مشاعرها خليط من الفرح والألم، وتضيف "سعيدة جدًا بعودته، لكنني لم أكن مستعدة لرؤيته بهذه الحالة".
وتأسف أم أنس أن ولدها الشاب الذي غادر منزلها قبل أشهر، عاد إليها بجسد ضعيف، ونظرات مثقلة بالألم، مؤكدة "قبل الحرب كان طبيعيًا، يتحدث معنا بسهولة.. لكن عند زيارتنا له في الأسر، لم نكن نفهم كلامه، كنا فقط نستمع إليه بصمت، نترجم عينيه بدلًا من كلماته"، تقول والدته.
الأم الحزينة تقول إنه ورغم كل شيء، فوجود ولدها تحت عينيها أفضل بكثير من بقائه في سجون إسرائيل التي لا ترحم. (بلينكس - blinx)