توقف خبراء في العلاقات الدولية والشأن الإيراني عند العديد من الأسباب التي تدفع طهران إلى استعادة التواصل مع دمشق في ظل سلطتها الجديدة مع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي تولّى الحكم إثر إسقاط نظام بشار الأسد، الحليف الأبرز لطهران، وفق ما قال تقرير جديد لموقع "إرم نيوز".
وأشار الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن في صدارة هذه الأسباب اعتبارات تتعلق بمواجهة إسرائيل وتمددها، بما يهدد العمق الإيراني، واعتبار سوريا ساحة تنافس على النفوذ بين طهران وتركيا وإسرائيل، في إطار أهداف الهيمنة على المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، تحاول طهران إظهار نفسها أمام الولايات المتحدة كقوة إقليمية فاعلة لم تنكفئ إلى الداخل؛ ما يشكّل ورقة رابحة في المباحثات الجارية مع واشنطن، وفق التقرير.
وكان الممثل الخاص لوزير الخارجية الإيراني للشأن السوري، محمد رضا رؤوف شيباني، صرّح مؤخراً بأن بلاده على اتصال غير مباشر مع دمشق، وتلقت منها رسائل أيضاً، مشيراً إلى أن نظرة طهران إلى التطورات في سوريا واستعادة العلاقات مع دمشق هي نظرة استشرافية.
ويقول الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور أحمد الياسري، إن اهتمام طهران بسوريا ولبنان قائم على أمرين: الأول أن إيران، رغم إطلالاتها البحرية، لا تملك وجوداً فعليًّا في منطقة شرق البحر المتوسط، وسوريا ولبنان يمثّلان بوابة عبورها إلى تلك المياه.
أما الثاني، فهو أن سوريا دولة مجاورة لإسرائيل، وإذا تمكّنت تل أبيب من إنهاء نشاط "حزب الله" والفصائل الفلسطينية، وإزالة أي تهديدات من سوريا، فستتمكن من التمدد في المنطقة؛ ما يمنحها مساحة واسعة لمواجهة إيران.
وأوضح الياسري، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن طهران تمتلك قنوات تواصل مع السلطة الحالية في دمشق، من أبرزها الاتفاقيات المبرمة مع حركات الإسلام السياسي، وشبكة علاقاتها مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.
كذلك، أشار إلى أن إيران احتضنت العديد من قيادات "القاعدة" بعد سقوط "طالبان" وأجرت مفاوضات معهم، وأن أحمد الشرع وشركاءَه ليسوا بعيدين عن هذه الخريطة.
وأضاف الياسري أن هناك نوعاً من التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران وإسرائيل، ومع اعتماد الأخيرة على الدعم الأميركي، تسعى تل أبيب إلى تحييد الجهات المتاخمة لحدودها للتركيز على مواجهة طهران وأنقرة، التي تحاول تصدير فكرة قيادة العالم السني واستعادة نفوذ "السلطان عبد الحميد الثاني".
وترى إيران في سوريا ساحة تنافس على النفوذ مع تركيا وإسرائيل؛ ما يهدد مصالحها الجيوسياسية المدعومة من موسكو وبكين.
وأشار الياسري إلى أن إيران استثمرت في النظام السوري السابق ما يقارب 50 مليار دولار، وتسعى إلى الحصول على تعويضات عن هذه الاستثمارات، كما أن لديها مخاوف دينية تتعلق بحماية المراقد الشيعية والأقليات الدينية، وتسعى إلى تنظيم هذا الملف.
إيجاد موطئ قدم في سوريا
من جهته، يؤكد الباحث في الشأن الإيراني، عادل الزين، أن هذا التوقيت بالغ الحساسية بالنسبة للسلطة في إيران، حيث تسعى إلى إيجاد موطئ قدم لها في سوريا؛ ما يتيح لها إعادة تنظيم أوراقها وخلق أو تقوية تحالفاتها على الأرض، عبر بقايا قادة جماعاتها في سوريا.
وأضاف الزين، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن طهران تستغل ممر العودة هذا لتوثيق تحالفاتها مع بعض الجماعات والكيانات المحسوبة على نظام الأسد، والتي لجأت إلى نوع من "البيات الشتوي".
كذلك، تراهن إيران على مجموعات كانت محسوبة على الفصائل المسلحة التي تحركت مع الشرع أثناء العملية العسكرية التي أدت إلى سقوط النظام في الـ8 من كانون الأول الماضي، والتي دخلت في خلافات مع قادة هيئة "تحرير الشام" حول تقاسم السلطة وشكل الحكم؛ ما دفع طهران إلى التنسيق والتواصل معها.
وأردف الزين أن "الحرس الثوري" الإيراني متمسك بعدم التخلي عن نفوذه في سوريا، باعتبارها عمقًا استراتيجيًّا لا يقتصر على المدار الإقليمي الإيراني، بل يشمل أيضًا الجوار العراقي والداخل الإيراني نفسه.
وأشار الزين إلى أن الاهتمام الإيراني بهذا الملف يتعلق أيضًا بتوفير ورقة ضغط في المفاوضات مع واشنطن، عبر إظهار أن طهران لا تزال فاعلة إقليميًّا ولم تنكفئ إلى الداخل، فضلًا عن سعيها إلى إعادة ترميم جماعاتاه في سوريا ولبنان؛ ما يجعل هذا الملف بندًا مهمًّا في المباحثات مع الولايات المتحدة، بحيث تسعى طهران إلى فرض شروطها وعدم الرضوخ للضغوط الدولية. (إرم نيوز)