طلبت 481 جمعية ناشطة في تونس بحلّها تلقائيا، وذلك إلى غاية تاريخ 7 تشرين الثاني 2024، في خطوة أثارت جدلا بشأن دوافع وأسباب هذا التوجه.
وأوضحت الإدارة العامة للجمعيات والاحزاب السياسية برئاسة الحكومة التونسية، أن الجمعيات التي طلبت حلها تلقائيا تنشط في عديد المجالات وينتشر مجال تدخلها بكافة جهات البلاد.
وذكرت الإدارة في بلاغ نقلته وكالة الأنباء الرسمية التونسية، أن أحكام الفصل 41 من المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ في 24 ايلول 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات، ينص على وجوب نشر المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية التي تتلقاها وذكر مصدرها وقيمتها وموضوعها بإحدى وسائل الإعلام المكتوبة في ظرف شهر على أن يتم طلبها أو قبولها.
يأتي ذلك في ظرف يشدد فيه الرئيس التونسي قيس سعيد على ضرورة مراقبة التمويلات الخارجية للجمعيات والمنظمات، إذ اتهم في مناسبات سابقة، بعضها بتلقّي أموال خارجية لتحوّل إلى أحزاب سياسية، داعيا لجنة التحاليل المالية إلى القيام بعملها.
ويضم النسيج الجمعياتي في تونس ما يزيد عن 25 ألف جمعية، تتركز معظمها في تونس العاصمة، وتنشط أكثر من 20 ٪ منها في المجال الثقافي والفني، ونحو 11 ٪ منها في المجال الخيري والاجتماعي، فيما تتخذ من المجال الحقوقي مجالاً لنشاطها قرابة 2 ٪ فقط، وفق آخر التحيينات الصادرة عن رئاسة الحكومة التونسية.
في المقابل، أثارت مطالب عدد من الجمعيات في البلاد بحلها تلقائيا، جدالا بشأن واقع العمل الجمعياتي في تونس وأسباب تراجعه في السنوات الأخيرة.
"مضايقات وشيطنة"
تعليقا على هذا الموضوع، أكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (حقوقية غير حكومية) رجاء الدهماني أن النشاط الجمعياتي في تونس يتعرض إلى مضايقات وحملات شيطنة فضلا عن تواتر الملاحقات القضائية لعدد من ممثلي الجمعيات، خاصة تلك الناشطة في مجال الهجرة.
وقالت الدهماني، لموقع "الحرة"، إن هذا الوضع يبعث على القلق فالكثير من ممثلي الجمعيات تلقوا استدعاءات قضائية للتحقيق في عدة مسائل من ضمنها الجوانب الإدارية والمالية فضلا عن طبيعة نشاطاتهم الحقوقية، لافتة إلى تعرض رؤساء جمعيات إلى الاعتقال.
ونددت بما اعتبرتها مساع لتجريم العمل الحقوقي في تونس وشيطنته مشددة على رفضها تتبع نشطاء المجتمع المدني على خلفية ممارستهم لدورهم الرقابي في عديد المجالات.
وكان رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية عماد الحزقي، قد أفاد مؤخرا بأن أكثر من 500 جمعية من بين 1005 جمعيات معنية بالانتفاع بالتمويل الأجنبي لم تلتزم بالإجراءات القانونية المنصوص عليها، رغم تلقيها تنبيهات بهذا الشأن.
وفي هذا الخصوص، قالت الدهماني إن هناك جمعيات مارست نشاطات مشبوهة ومخالفة للقانون بعد الثورة التونسية في 2011، وهو ما يتوجب على السلطة اتخاذ إجراءات في شأنها ومصارحة الشعب بحقيقة هذه التجاوزات والكشف عن مرتكبيها بعيدا عن الغموض والتعتيم حتى لا تتم شيطنة كل الجمعيات.
"مناخ من الخوف"
من جانبه، يرى منسق عام "ائتلاف صمود" (مرصد للدفاع عن مدنية الدولة) حسام الحامي، إن المناخ العام في تونس يسيطر عليه الخوف في ظل سلطة لا تؤمن بالأجسام الوسيطة وتعتبرها مضرة مطلقة للدولة والمجتمع وتسعى بكل الوسائل المتاحة إلى تحجيم دور الأحزاب والمنظمات والجمعيات في البلاد.
وأوضح الحامي، لموقع "الحرة"، أن ضرب العمل الجمعياتي في تونس ومحاولة قطع التمويلات عنها باعتبار أن غالبية الجمعيات يرتكز نشاطها على التمويل، هو مسعى من السلطة لقتل الديناميكية التي عاشها المجتمع المدني منذ 2011 وإسكات كل صوت حر ورأي ناقد أو مراقب لنشاطات الحكومة.
وأشار في المقابل، إلى أن الدولة التونسية لا تتحمل مسؤوليتها في تمويل الأحزاب والمنظمات والجمعيات ولا تستثمر في الديمقراطية التشاركية رغم أن هذه الأجسام الوسيطة تعد من أعمدة الديمقراطية.
ولفت إلى أنه في غياب التمويل العمومي لعبت بعض الدول دورا مهما في دعم الجمعيات ما ممكن المجتمع المدني من لعب دور رقابي على الحكومات في العشرية السابقة.
وأقرّ الحامي بأن هناك بعض الجمعيات لعبت أدوارا "غير بريئة" وتمتعت بتمويلات من أجل تنفيذ بعض الأهداف غير المعلنة في البلاد، مشددا على أن هذه الممارسات المخلة بالقانون الجمعياتي والتي تستدعي المحاسبة لا يجب أن تكون ذريعة لوضع كل الجمعيات في نفس الخندق وتمرير قوانين جديدة تضيّق على عملها، وفقه.
وتبعا لذلك، دعا المتحدث الجمعيات إلى مواصلة نشاطها في كنف احترام القانون والقيام بدور الوسيط بين الفرد والدّولة والدفاع عن الحقوق والحريات.
"تمويلات مشبوهة"
من جانب آخر، كشف تقرير الهيئة العليا للرقابة الادارية والمالية بتونس (حكومية)، صدر مطلع فبراير الجاري، أن 4 جمعيات خيرية تم تكييفها "مشبوهة" من قبل الكتابة العامة للحكومة التونسية، واصلت الحصول على تمويلات أجنبية قدرت بنحو 7.5 مليون دولار، بعد أن كانت تحصلت على ما يناهز 9 مليون دولار متأتية أساسا من دول قطر والكويت وتركيا خلال الفترة 2012-2019.
كما أشار التقرير الذي تسلم الرئيس التونسي قيس سعيد نسخة منه، إلى حصول جمعيات تونسية على تمويلات مباشرة من السفارات المتواجدة بالبلاد، دون المرور بالوسيط الرسمي (وزارة الخارجيّة) أو إعلامه بها أو بحجمها وبموضوعها.
وسبق لسعيد أن شدد خلال لقائه في سبتمبر الماضي بمحافظ البنك المركزي التونسي زهير النوري على أن "عديد الجمعيات تتلقى مبالغ خيالية من الخارج وتتولى تمويل عدد من الجهات التي تضخّ بدورها هذه الأموال لأغراض سياسية مفضوحة في خرق تام للقانون وفي تدخل سافر في الشؤون الداخلية لتونس".
وطالب الرئيس سعيد اللجنة التونسية للتحاليل المالية بالقيام بدورها والتثبت في مصدر التمويلات التي تتلقاها هذه الجمعيات وإحالتها على القضاء.