اكتسبت خطوة توقيع 24 كيانا سياسيا ومهنيا ونقابيا وأهليا سودانيا، إضافة إلى قوات الدعم السريع والحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، ميثاقا تأسيسيا في العاصمة الكينية نيروبي، زخما كبيرا.
ما التاثير المحتمل للخطوة على التحالفات القائمة حاليا وكيف ستنعكس على واقع المشهد السوداني المعقد؟
يأتي الميثاق الموقع في العاصمة الكينية نيروبي، السبت، في ظل وجود 4 تحالفات متباينة الرؤى وانقسامات حادة تشهدها الساحة السودانية.
وينص الميثاق على نظام حكم فدرالي وجيش مهني موحد، وينظم العلاقة بين المركز والولايات على كافة المستويات الإدارية والعدلية والعسكرية والاقتصادية تمهيدا لإعلان حكومة سلام تطلع بمهام الإدارة المدنية، ويحظر تشكيل أي أحزاب على أساس ديني أو استخدام الدين في السياسة.
وتقول الأطراف الموقعه على الميثاق إنه يهدف لوضع الأسس اللازمة لتشكيل حكومة سلام في السودان، وسط جدل حول المآلات المحتملة لوجود حكومتين في ظل وجود الحكومة الحالية التي يقودها الجيش في بورتسودان.
ووجدت خطوة توقيع الميثاق ردود فعل شعبية إيجابية واسعة، خصوصا في ظل الصعوبات التي يواجهها السكان في عدد من المناطق بسبب التبعات الكارثية للحرب التي أدت إلى مقتل نحو 150 ألف شخص وتشريد نحو 15 مليونا وأوقعت أكثر من 25 مليونا في دائرة خطر انعدام الأمن الغذائي.
طبيعة التحالفات الحالية
أصبح تحالف الميثاق التأسيسي هو الرابع بين التحالفات التي تنشط في الساحة السودانية حاليا والتي يتمثل أولها في تحالف القوى المدنية الديمقراطية "صمود" الذي يتكون من أكثر من 70 جسم سياسي ومهني وأهلي، وتشكل نتيجة إنهاء تحالف "تقدم" بعد فك الارتباط مع مجموعة "تأسيس" التي انضمت إليها مجموعات أبرزها الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو.
وهنالك أيضا تحالف "الكتلة الديمقراطية" الذي دعم انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في تشرين الاول 2021، ويساند الجيش في حربه الحالية، ويضم نحو 10 حركات مسلحة وأجسام سياسية صغيرة يشكل بعضها واجهات لتنظيم الإخوان.
وبرزت خلال الأسبوع الماضي مجموعة يقودها الحزب الشيوعي وكيانات أخرى صغيرة تدعو للعودة لمنصة تأسيس ميثاق قوي إعلان الحرية والتغيير الذي أسقط نظام الإخوان في نيسان 2019.
ورغم أن البعض يرى وجود قواسم مشتركة بين بعض النصوص التي تضمنها ميثاق تحالف "تأسيس" الجديد ورؤية تحالف "صمود" التي تقوم الدعوة لوقف الحرب والدخول في عملية سياسية عبر مفاوضات بمنبر موحد يضم كافة الأطراف عدا "المؤتمر الوطني" وواجهاته، لكنهم يتخوفون من وجود حكومتين في البلاد.
ويحذر خالد عمر يوسف القيادي في تحالف "صمود" من أن تكوين حكومتين سيؤدي إلى تفتيت وتشظي البلاد.
ويوضح أن المشكلة تكمن في "سعي بورتسودان لفرض سلطة أمر واقع لا شرعية لها".
ويضيف: "علينا أن نوحد أصوات أوسع قاعدة من السودانيين، ونضغط لوقف القتال فوراً، دون تأخير، والاتفاق على تدابير عاجلة تحمي المدنيين، وتعيدهم إلى مدنهم وقراهم، وتوفر لهم الخدمات الأساسية، في مسار يقود إلى سلام حقيقي ومستدام".
أرضية مشتركة
اعتبر مراقبون أن الميثاق، يمكن أن يشكل أرضية مشتركة تجمع بين القوى المدنية الداعية لتحول حقيقي ينهي أزمات البلاد.
ووفقا لخالد كودي الأستاذ في جامعة نورث إيسترن بولاية ماشسيوستس الأميركية، فقد خاطب الميثاق العديد من القضايا الملحة التي طالما نادت بها القوى السياسية السودانية الثورية المؤيدة للتحول المدني الديمقراطي، بما في ذلك تلك القوى التي لم توقع على الميثاق.
وأوضح كودي لموقع "سكاي نيوز عربية": "تناول الميثاق القضايا الجوهرية للدولة السودانية، أبرزها فصل الدين عن الدولة والحريات الدينية، وعدم إقحام الدين في العمل السياسي.
ويضيف: "وضع الميثاق أسسا للعدالة الشاملة ورؤية للعدالة التاريخية والمحاسبة على الجرائم والانتهاكات، بما في ذلك تلك التي ارتكبتها أطراف النزاع الحالي".
وينبه كودي إلى أن السلام الحقيقي يتأسس على استراتيجيات واقعية وجريئة تستهدف إنهاء الحروب وتحقيق العدالة وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة تضمن عدم تكرار الأزمات التي ضربت البلاد لعقود.
ويتوقع كودي على أن تحدث مشاركة الحركة الشعبية شمال في قيادة الميثاق التأسيسي الجديدة، اختراقًا سياسيًا تاريخيًا نظرًا لكونها تمتلك رؤية واضحة للسلام وإعادة بناء السودان وتعمل بموجب استراتيجية تنسجم مع حقيقة الصراع السياسي والعسكري في البلاد.
ومن جانبه يرى الكاتب الصحفي الجميل الفاضل أن نجاح الميثاق سيكمن في قدرته على رسم طريق مستقبل يحدد كيفية الاستفادة من "الميكانزمات الداخلية" التي من شأنها أن تضع للفاعلين والمؤثرين، خارطة طريق تنطلق من مبدأ الإيمان بامكانية حدوث التغيير المبتغى".
ويضيف: "ربما يمثل ميثاق نيروبي فرصة تاريخية نادرة، للخروج الآمن من نفق أزمات السودان المتطاولة، إلا أنه يحذر من إضاعة الفرص، ويقول "إضاعة الفرص سمة سودانية، لكن المهم هو أن فرصة إجتماعات نيروبي ومخرجاتها، ربما تكون هي آخر الفرص". (سكاي نيوز)