كمن يسير في نزهة، دخلت إسرائيل إلى الجنوب السوري مسيطرة على مرتفعات جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة. أعقب ذلك هيمنتها على مناطق واسعة ضمن الحدود الإدارية لثلاث محافظات سورية.
وكان سقوط نظام الرئيس بشار الأسد ووصول هيئة تحرير الشام إلى العاصمة دمشق قد شكل التوطئة المناسبة لقيام إسرائيل بضم كل هذه الأراضي.
ورغم حرص حكام دمشق الجدد، بمناسبة ومن دونها، على إبداء عدم الرغبة في الصدام مع إسرائيل والمجاهرة بطمأنتها إلى حسن نواياهم تجاهها، فإن إسرائيل، وعلى عادة سيرتها، لا تفوت فرصة الإفادة من أي تغيير يحصل في المنطقة. فكيف الحال بها وقد كانت هي سببا رئيسيا في هذا التغيير، كما يعتقد الكثيرون؟
فما الذي تريده إسرائيل بغسل يديها من كل القرارات الدولية التي أعقبت اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا في العام 1974؟ وما هي الترتيبات الأمنية التي تخطط لفرضها في الجنوب السوري؟ ولماذا شرعت في وضع دروز سوريا ومعهم الأكراد ضمن دائرة خطوطها الحمراء، فيما عمدت إلى ترغيب المكون السني الأكبر في الجنوب بالعمل داخلها وفق مبالغ تعتبر جيدة جدًا قياسًا بالرواتب الموجودة في سوريا؟
كشفت مصادر أهلية في محافظة القنيطرة السورية لـ"RT" أن إسرائيليين، يُعتقد أنهم مدنيون، يرافقون جيشهم أثناء توغله في الجنوب السوري، قد عمدوا إلى تسجيل أسماء عدد من السوريين الباحثين عن مصدر دخل لهم من أجل العمل في إسرائيل. وأشارت المصادر إلى أن الظروف المادية الصعبة التي يعيشها هؤلاء قد دفعت قسمًا منهم للموافقة على ذلك رغم الإرث الكبير من العداوة الذي يحملونه لإسرائيل، المتهمة تاريخيًا من قبلهم بأنها دولة قائمة على ارتكاب المجازر.
وأضافت المصادر أن عددا من الشبان رفضوا الفكرة رغم حاجتهم إلى العمل، فيما قبلها آخرون على مضض، ورحب بها البعض باعتبار أن الأجر اليومي الذي سيحصلون عليه يتجاوز الراتب في سوريا لعدة أشهر.
وأشارت المصادر الأهلية في القنيطرة إلى أن الأجر اليومي المنتظر للعمال السوريين يتراوح بين 75 إلى 100 دولار أميركي، مشيرة إلى أن الفكرة ليست جديدة، فقد دخل في السابق بعض السوريين من أبناء المحافظة إلى إسرائيل للعمل أثناء الأزمة السورية وبإشراف وترتيب إسرائيلي، وكانوا يتقاضون مبلغ 100 دولار لقاء أعمال خدمية لا تحتاج إلى خبرات كبيرة أو شهادات دراسية. وأضافت أن جدول الإحصاء الإسرائيلي قد أخذ من هؤلاء معلومات تتعلق بأعمارهم ومهنهم والشهادات التي يحملونها، دون أن ينتظم عملهم ضمن رواتب شهرية أو أشغال دائمة، على اعتبار أن الأمر يخضع للعرض والطلب ويهدف إلى استبدال العمال الفلسطينيين بعمال سوريين يعتقد الإسرائيليون بإمكانية تحييدهم بسهولة عن أي ارتباط بأعمال قتالية ضد إسرائيل.
وتوقعت المصادر أن تكون هذه العملية بمثابة بالون اختبار لسلوك هؤلاء في إسرائيل، يمكن أن يصار من خلاله إلى اعتماد أعداد أكبر منهم لاحقًا كبديل مفترض عن العمالة الفلسطينية وحتى الآسيوية.
أطماع بدعوى الأمن
يؤكد محلل سياسي سوري أن العنوان المعلن للتوغلات العسكرية الإسرائيلية في جنوب سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد يتحدث عن إحداث ترتيبات أمنية وعسكرية تقطع الطريق على أي خطر محدق بإسرائيل.
وفي حديثه، أشار المحلل السياسي إلى أن هذا التبرير يهدف لتسويق المطامع الإسرائيلية التاريخية بسوريا، والتي باشر الجيش الإسرائيلي في تحقيقها من خلال السيطرة على أجزاء واسعة من الجنوب وتهديد حكومة الرئيس الشرعي بضرورة إخلاء المنطقة الجنوبية وحتى حدود دمشق من أي سلاح، واللعب على وتر العلاقة بين المكونات السورية.
ويشير المحلل السياسي إلى أن الجيش الإسرائيلي باشر باستقدام تعزيزات عسكرية جديدة إلى الجنوب وبناء قواعد عسكرية هناك، بينها قاعدتان عسكريتان في القنيطرة ترتبطان بشبكة طرق ترابية تقود إلى مرتفعات الجولان. كما يهدف هذا الوجود، وفق المحلل السياسي، إلى البحث عن الأنفاق ومستودعات الأسلحة التي كانت تابعة للجيش السوري ومقاتلي حزب الله والمجموعات المحسوبة على إيران.
وأضاف المحلل السياسي أن الأهداف الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في الجنوب السوري لم تكن يوماً منفصلة عن الهدف السياسي الاستراتيجي الأبرز، المتمثل في توسيع مساحة إسرائيل من خلال قضم المزيد من أراضي جيرانها لخلق عمق استراتيجي طالما عانت من غيابه.
ولفت إلى أن إسرائيل، التي تدرك جيدا عدم وجود أية نية أو قدرة للحكومة السورية الحالية على إلحاق الأذى بها، قد سبق للجيش الإسرائيلي التنسيق مع الفصائل التي كانت تقاتل الجيش السوري، والتي كانت تتموضع على مسافة صفر من حدودها، وفتحت لها المستشفيات لعلاج جرحاها. ومع ذلك، فإنها تريد أن تمارس ما أمكن من الضغط على الحكومة السورية الجديدة بغرض مراقبة الخطاب الرسمي السوري تجاه تل أبيب تحت تأثير الوجود العسكري للجيش الإسرائيلي هناك. فكل "مباحثات مستقبلية مباشرة أو غير مباشرة" بين الطرفين في هذا الشأن لن تكون بعيدة عن فوهة البندقية الإسرائيلية، هذا إن لم ترسم بنيرانها. ولعل هذا ما يفسر انتقال إسرائيل من وصف التوغل في المنطقة المنزوعة السلاح بأنه "خطوة مؤقتة" إلى الحديث عن وجود دائم للقوات الإسرائيلية على قمة جبل الشيخ وغيرها من المناطق التي تقع في خاصرة العاصمة السورية دمشق.
وختم المحلل السياسي حديثه بالإشارة إلى أن إسرائيل تريد من خلال تحركاتها العسكرية والميدانية ووضع عدد من المكونات السورية الأصيلة تحت حمايتها بشكل علني، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي عن حماية الدروز بالأمس، وما سبقه من حديث عن حماية الأكراد، يشير كذلك إلى رغبة إسرائيل في التأثير على المعادلة السياسية السورية الداخلية، فضلاً عن منحها الصلاحيات الأوسع لتعريف مفهوم السلام وفق شروطها ضمن أية عملية قد تحصل بين طرفين يخوضان نزاعًا غير متكافئ على حلبة التفاوض. (روسيا اليوم)