سلطت صحيفة "
الشرق الأوسط" في تقرير
موسع لها الضوء على حال فصائل وأحزاب شيعية عراقية تقع اليوم بين مسارين متضادين تحرّكهما
واشنطن وطهران، إذ يتعيّن عليها حماية نفوذ نظام "ولاية الفقيه" في المنطقة، والتكيُّف في الوقت ذاته مع شروط أميركية صارمة تقضي بالتخلّي عن السلاح.
وتشتدّ قبضة المسارين مع اقتراب موعد المفاوضات بين
الأميركيين والإيرانيين في سلطنة عمان، السبت المقبل، لمعرفة مَن "يرخي الحبل قبل الآخر".
وحصلت فصائل عراقية على "فتوى" من المرشد
الإيراني علي خامنئي تُجيز اتخاذ قرارات تجنّبها ضغوطاً أميركية، من دون التفريط بالنظام السياسي الموالي لطهران، بينما ترك الجنرال إسماعيل قاآني في العاصمة بغداد فريقاً مصغّراً لإدارة ملفات سياسية، من بينها تنفيذ توصية سابقة بـ"صفر عمليات" ضد الأميركيين في الوقت الحالي.
ونُقلت الفتوى عبر سياسيين شيعة في أواخر العام الماضي، وكُشف عنها مؤخراً للمرة الأولى بالتزامن مع تقارير عن مفاوضات غير حاسمة بشأن
سلاح الفصائل.
وأظهرت مقابلات، أجرتها "الشرق الأوسط"، أن الفتوى منحت الفصائل مرونة في تجنّب هجمات إسرائيلية - أميركية طوال الأشهر الماضية، ووفّرت الوقت لتجهيز "الخطة ب" للدفاع عن مصالح
إيران إذا تعثّرت مفاوضاتها مع الأميركيين؛ ما فُهم آنذاك على أنه ضوء أخضر لمرحلة تهدئة تكتيكية.
وتدور نقاشات في مطبخ "الإطار التنسيقي" ليس للبحث عن آلية نزع سلاح الفصائل، بل لضمان استمرار وجود قوى مؤيدة لولاية الفقيه داخل النظام السياسي العراقي، وقد وُصف هذا
التوجه بأنه "تضحية بالجنين لحماية الأم"، في حين يشكك قادة شيعة لهم نفوذ في الحكومة في جدوى "وضع كل البيض في سلة طهران".
ولا تبدو التطمينات العراقية التي أُرسلت بطرق مختلفة كافية لإقناع الأميركيين بأن التهديد الذي يمثّله وكلاء إيران في العراق سيتم إنهاؤه فعلياً، وفقا للمصادر، لا سيما مع وصول رسالة أميركية مفصّلة تشدّد على ضرورة تسريح المسلحين وإعادة دمجهم في برنامج تأهيل وتوظيف مدني.
وقال قيادي بارز في فصيل شيعي لـ"الشرق الأوسط"، إن "الفصائل هي مَن تقرر مصير سلاحها، وهذا مرتبط بتقدير المصلحة في المنطقة بشكل عام، وليس بوضع ما أو قرار طرف آخر".
وفقاً للمصادر، فإن ممثلين عن زعيم شيعي في "الإطار التنسيقي" يمتلك جناحاً مسلحاً، سافروا، في خريف 2024، إلى إيران للقاء المرشد علي خامنئي.
وسأل الوفد الشيعي خامنئي عمّا إذا كانت فتواه بالمشاركة في "حرب الإسناد" لا تزال قائمة منذ عملية "طوفان الأقصى"، حتى في ظل التهديدات الأميركية والإسرائيلية.
ونقل هؤلاء جواباً شفهياً من خامنئي مفاده: "ردّ الضرر أولى"، وأبلغ الزعيم الشيعي قادة فصائل ومقرّبين بأنها "فتوى".
وكان هذا الزعيم قد أرسل ممثلين عنه للقاء خامنئي بعد خلافات مع فصائل عراقية بشأن مواصلة الهجمات ضد القواعد الأميركية أو أهداف داخل
إسرائيل، وقد شدد قادة الفصائل آنذاك على أن المرشد لم يصدر ما ينقض فتواه بدعم "
جبهة الإسناد".
وقال مسؤول
عراقي مطّلع على مفاوضات سلاح الفصائل إن "فتوى ردّ الضرر باتت عنصراً فاعلاً في تحريك النقاشات حول التخلي عن السلاح".
وحصلت هذه النقاشات على دفعة أقوى مع تزايد التهديدات الأميركية بشنّ هجمات على إيران، ومع الاعتقاد السائد في بغداد بأن انتهاء العمليات ضد جماعة الحوثي في اليمن سيجعل من فصائل العراق آخر محطات محور
المقاومة.
فريق قاآني في بغداد
قال قيادي شيعي لـ"الشرق الأوسط"، إن الأولوية الآن هي حماية نفوذ القوى المؤمنة بولاية الفقيه داخل النظام السياسي العراقي؛ إذ سيكون بمقدورها لاحقاً إعادة إحياء الفصائل إذا صدر قرار بنزع سلاحها.
وقبل أن ينهي قائد "قوة القدس" التابعة للحرس الثوري، الجنرال إسماعيل قاآني، زيارته إلى بغداد منتصف آذار 2025، ترك هناك فريقاً إيرانياً مصغراً لمتابعة ملفات سياسية وميدانية، وفقاً للمصادر.
وقال سياسيون عراقيون لـ"الشرق الأوسط" إن "هندسة التحالفات الشيعية كانت من المفترض أن تكون إحدى المهام الأساسية لهذا الفريق"، لكن "انشغاله الأكبر كان بالسيطرة على مواقف وتحركات الفصائل مع تزايد الضغوط الأميركية".
لكن مصدراً موثوقاً أفاد بأن "فريق قاآني الذي تُرك في بغداد كان يحرص على تنفيذ وصية صفر عمليات ضد الأميركيين".
مصير السلاح
قال قياديان في حزبين شيعيين لديهما ألوية في "الحشد الشعبي"، إن مصيري
الهيئة وسلاح الفصائل أمران "متصلان، وكلاهما بيد
القيادة في إيران"، في إشارة إلى المرشد علي خامنئي، لكن التطورات
الإقليمية "فرضت إيقاعاً مختلفاً من التكتيكات".
وقال أحدهما: "هناك شيء متغيّر في بغداد بشأن الفصائل وسلاحها (...). النقاشات احتدمت أخيراً مع
زيادة الحشود
العسكرية الأميركية. هناك مَن يستعدّ للتكيّف مع المخاطر والتحوّلات"، لكن المسار لا يزال غير واضح.
وأوضح القيادي أن "المجموعات العراقية الملتزمة سياسياً وأمنياً بالمرشد الإيراني، واقتصادياً وأمنياً بالإدارة الأميركية، باتت الآن وسط مسارين متضادين".
وأضاف: "سينتهي الأمر إلى أحد أمرين؛ إلقاء السلاح أو إشعال النار في المنطقة مجدداً".