في ساعة متأخرة من مساء يوم الجمعة الماضي، دمّرت المقاتلات الأميركية محطة اتصالات استراتيجية تابعة للحوثيين، شرقي
محافظة الحديدة، في ضربة غير منفصلة عن مسارات استراتيجية
واشنطن الشاملة لتحييد المجموعة اليمنية، من خلال شلّ قدرتها
الداخلية على صناعة القرار العسكري.
ومنذ أواخر شهر آذار المنصرم، كثّفت
الولايات المتحدة، من غاراتها الجوية على بعض منشآت الاتصالات التابعة للدولة، في مناطق متفرقة من محافظات: صنعاء وعمران وصعدة وإب الحديدة، الخاضعة لسيطرة الحوثيين الذين يستخدمون بعضها بشكل مزدوج، مدنيا وعسكريا.
وذكر خبير الاتصالات وتقنية المعلومات، المهندس محمد المحيميد، والمستشار السابق لوزارة الاتصالات اليمنية، أن استمرار سيطرة الحوثيين على خدمات الاتصالات والإنترنت منذ عام 2015، يعرّض منشآت هذا القطاع الحيوي المهم وبنيته التحتية ومقدراته التابعة للدولة، للخطر والدمار.
وقال في حديثه لـ"إرم
نيوز"، إن قطاع الاتصالات اليمنية، بعد أن أصبح في قبضة الحوثيين، "تحوّل إلى أداة أمنية وعسكرية، تستخدمه مجموعة الحوثيين في التجسس على خصومها من اليمنيين، في مناطق سيطرتها أو مناطق نفوذ الحكومة الشرعية، فضلا عن استخدامه في توجيه وإطلاق الطائرات المسيّرة، في حروبهم الداخلية و الخارجية".
ومع استمرار ضغوط العمليات
العسكرية الأمريكية منذ منتصف الشهر الماضي، تضاءلت وتيرة هجمات الحوثيين العابرة للحدود، بعد توقف الضربات الصاروخية طويلة المدى، طوال الأسبوعين الماضيين، وأصبحت تقتصر عمليات الحوثيين على إطلاق الطائرات المسيّرة أحادية الاتجاه، نحو
إسرائيل.
إرباك متدرّج
ويرى محلل الشؤون الأمنية، عصام المجاهد، أن ثمّة تحوّلا في الاستراتيجية الأمريكية وعملياتها التي قال إنها "لم تعد تركّز فقط على استهداف مخازن السلاح أو تحييد القدرات الهجومية للحوثيين، مثل الصواريخ والمسيرات، بل باتت تستهدف مراكز
القيادة والتحكّم، ودوائر الاتصال التي تربط القيادة بالميدان".
وأشار المجاهد في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن مركز الاتصال المستهدف مؤخرا، شرقي مديرية المراوعة بمحافظة الحديدة، يعدّ إحدى أهم الركائز التقنية لدى الحوثيين، في مجال الاتصالات الأرضية والتنسيق العسكري، إلى جانب استخدامه في البثّ الإعلامي.
وقال المجاهد، إن الموقع – وفق معلوماته - يضم محطات تشويش ومراكز توجيه اتصالات وبُنى تحتية للبثّ الإعلامي؛ "ما يجعله عنصرا حساسا في منظومة القيادة والسيطرة الخاصة بالحوثيين".
مبيّنا أن مثل هذه الغارات النوعية، "توجّه ضربات مباشرة لقدرة الحوثيين على إدارة العمليات والتواصل مع
الوحدات الميدانية، وتؤثر على شبكات الاتصالات المشفّرة التي يعتمدون عليها في التنسيق العسكري، ومن ثم فإن تعطيلها يحدث ارتباكا متدرجا في أداء الجماعة، ويقيّد قدرتها على التنسيق الداخلي وحتى مع حلفائها الخارجيين".
ومنذ الـ28 من آذار المنصرم، دمّرت المقاتلات الأمريكية، نحو 8 محطات اتصالات في أربع محافظات يمنية، ضمن موجة الغارات اليومية، التي تطال أهدافا مختلفة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
ووفقا لرئيس مركز "أبعاد للدراسات والبحوث"، عبدالسلام محمد، فإن منظومات الاتصال لدى الحوثيين تشمل 3 أنواع مختلفة، أوّلها المختصة بالاتصالات العسكرية، وهي منظومة أرضية مخفية، تم تمديدها بشكل مباشر وسري خلال سنوات الحرب الماضية، واستهدفت الغارات الأمريكية بعضها مؤخرا؛ ما تسبب في انقطاع كبير بين أوصالها.
وذكر في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن النوع الآخر، هو الاتصالات اللاسلكية المرتبطة بأجهزة الرادارات التي زُود بها "الحوثيون" من قبل "الحرس الثوري"
الإيراني، فيما يعود بعضها إلى ما تبقى من أجهزة قوات الحرس
الجمهوري والجيش اليمني، التي سيطرت المجموعة على معداتها، ومعظم هذه الأجهزة دُمرت خلال الأعوام السابقة.
وبحسب عبدالسلام، فإن النوع الثالث من منظومة اتصالات الحوثيين، هي الاتصالات اللاسلكية التابعة للدولة، "وهذه مراقبة على المستوى الخارجي، ويمكن الاطلاع على المعلومات المتداولة فيها، ومن ثم فإن "الحوثيين" يحاولون تجنبها، ويمنعون استخدامها على مستوى القيادات، لكن إذا ما استمرت الضربات الأمريكية في استهداف النوعين
السابقين، قد يضطرون للجوء إليها، ومعنى ذلك انكشاف المزيد من معلوماتهم".
وقال إن الخيارات المتعلقة بالاتصالات، تضيق أمام "الحوثيين"، "وقد رأينا كيف استطاع الإسرائيليون الوصول إلى بيجرات عناصر
حزب الله وتفجيرها، وإذا ما تكررت حالة الطوارئ في اليمن، ودمّرت جميع منظومات اتصالهم، فإن ذلك سيشلّ قدرة قيادات الحوثيين الميدانية على الحركة، في ظل غياب التنسيق والتواصل، خاصة وأن قياداتهم الاستراتيجية لا تتواجد على الأرض، وتتخفّى في أماكن متفرقة وغير معلومة".
وعلى مدى الأسبوعين الأخيرين، بدأت تتصاعد شكاوى اليمنيين من انقطاع ورداءة الاتصالات والإنترنت في كثير من أجزاء البلاد الشمالية، وسط تأكيدات "وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات" في حكومة الحوثيين، غير المعترف بها دوليا، بأن الغارات الأمريكية دمّرت محطات البثّ وأبراج الاتصالات وشبكات التراسل بشكل كلّي؛ ما أدى لانقطاع الخدمات في بعض المناطق المستهدفة.
ويقول المحلل العسكري، العميد عبدالرحمن الربيعي، إن
الحروب لها
قوانين دولية إنسانية، تتجنب الإضرار بالمدنيين وخدماتهم العامة، سواء على مستوى الدول أو الجماعات كالحوثيين، "الذين لا يلتزمون ولا يحترمون هذه القوانين، ويستخدمون المصالح العامة لأغراضهم العسكرية".
وأشار في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أن أجهزة الحوثيين العسكرية "موصولة ببعض منشآت الاتصالات المدنية، من أبراج ومحطات وشبكات، وهو ما يعني تجريدها من صفتها المدنية، لتصبح هدفا عسكريا مبررا، معرّضا للتدمير والإتلاف، دون أدنى اعتبار لوظيفتها الأساسية كخدمة عامة للمدنيين".
موضحا أن استمرار هذا النوع من الاستهداف، سيؤدي إلى تأثيرات كبيرة على المواطنين ومصالحهم في جميع قطاعات الحياة التي باتت مرتبطة بالاتصالات والإنترنت، بينما لدى "الحوثيين" بدائل أخرى للتواصل، مثل أجهزة الاتصال اللاسلكية اليدوية، التي استولوا عليها من الجيش اليمني والقوات الأمنية، أو الوسائل المرتبطة مباشرة بالأقمار الصناعية وغيرهما. (ارم)