من الواضح أنّ ملايين الأسلحة المُتطوّرة للغاية التي زوّدها بها حلفاؤها لم تُساعد إسرائيل في تحقيق أمنها، فهي لم تفعل شيئاً لمنع شنّ الهجمات من حدودها الجنوبية والشمالية، أو احتجاز الرهائن، أو إطلاق الصواريخ من الخارج، بل عملت فقط على إثراء شركات تصنيع الأسلحة التي تستثمر في الحروب.
هذا ما تراه المؤرخة في جامعة السوربون كارولين بيكيه، في تحليل سياسي مُعمّق، أشارت فيه إلى أنّ تلك الأسلحة لم تمنع من إثارة مشاعر الكراهية والاستياء ضدّ إسرائيل، بل غذّتها، مما أدّى إلى "ظهور نوع جديد من مُعاداة السامية يُهدد اليهود في جميع أنحاء العالم الذين لا يتحمّلون بأيّ حال المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل".
وبالنسبة للباحثة
الفرنسية المُتخصّصة في تاريخ
الشرق الأوسط، فإنّه لم يعد من الممكن تصوّر أمن إسرائيل باعتباره يكمن في تعزيز دائم لأسلحتها، فالدعم الذي تُقدّمه
الولايات المتحدة على وجه الخصوص يحصر إسرائيل في منطق الحرب، في حين أنّ الانفتاح على الدول
العربية سيكون أكثر فائدة لها، وهو ما يُساهم في تحقيق الأمن والسلام للمنطقة كلها.
وتُشدّد بيكيه على أن أمن إسرائيل لن يأتي من ارتكاب المذابح وترحيل
الفلسطينيين خارج مناطقهم، بل إن ما يضمن الأمن والسلام هو ذلك التكامل الإقليمي لإسرائيل ضمن التحالفات السياسية والاقتصادية، وهذا ما كان الأمريكيون يُفكّرون فيه بالفعل عبر دعم الاتفاق الإبراهيمي لإحلال السلام في عام 2020.
الأعداء الخطأ!
وتُشير الكاتبة الصحافية في يومية "لا كروا" الفرنسية، إلى أنّه منذ بداية الصراع
الإسرائيلي الفلسطيني، اعتاد العالم على التفكير في أمن إسرائيل من خلال منظور الأمن العسكري، مما يُبرّر تسليم الأسلحة وغيرها من التدابير الدفاعية من قبل حلفائها. واليوم بعد نحو 77 عاماً من الصراع، فإنّ الطريقة الوحيدة للنظر إلى أمن إسرائيل اليوم تظل من خلال الأسلحة، وهذا يعني أن أي شخص يندد باستخدامها في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا يوصف على الفور بأنه عدو لإسرائيل.
وتتساءل بيكيه، لكن "ماذا لو كان لدينا الأعداء الخطأ؟ ماذا لو كان أولئك الذين يدّعون أنهم أصدقاء إسرائيل هم ألدّ أعدائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة؟".. هنا، أوضحت أنّ حلفاء إسرائيل بدعمهم غير المشروط لاستراتيجيتها العدوانية، قد أسهموا في الواقع في تحويل إسرائيل إلى مجتمع محاصر خلف الأسلاك الشائكة، دون أيّ اتصالات مُجدية مع المُجتمعات العربية.
ومن خلال التظاهر بأنّها حليف قوي لإسرائيل دون إجبارها على احترام مبادئ القانون الدولي، فإنّ الولايات المتحدة قد أيّدت أيضاً شعور تل أبيب بالإفلات من العقاب، وهو ما يتمتع به رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أكثر من أيّ وقت مضى، حيث لا يتردد في إهانة
الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية علانية. وبذلك، ساهمت واشنطن أيضاً في إضعاف سيادة القانون، الذي أصبحت المؤسسات القضائية والمُعارضون للحكومة
الإسرائيلية أوّل ضحاياه.
اليمين المُتطرّف والمُستوطنون
وقد يُقال إنّ هذا الدعم العسكري كان ضرورياً ما دامت المقاومة
الفلسطينية تدعو إلى تدمير إسرائيل، لكنّ هذه المقاومة تمكّنت من التطور، فقد تخلت
منظمة التحرير الفلسطينية عن الكفاح المسلح وحددت مطالبها بإقامة دولتها على حدود 1967 مع إعلان الاستقلال عام 1988، قبل الاعتراف بدولة إسرائيل داخل هذه الحدود نفسها خلال اتفاقيات أوسلو 1993. كما اضطرت حركة حماس إلى
إظهار البراغماتية في مواجهة الحقائق
العسكرية والدبلوماسية، فعدّلت ميثاقها في 2017 لحصر مطالبها بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
وترى المؤرخة الفرنسية أنّه وعلى عكس ما يدّعيه اليمين الإسرائيلي، فإنّ إسرائيل لا تتعرض لتهديد وجودي من جانب قوى خارجية، فحتى
إيران أصبحت أضعف بكثير من أن تشنّ أيّ هجوم مُدمّر. لذا، فإنّ من يُهدّد إسرائيل اليوم هو حلفاؤها المتواطئون في استراتيجية عسكرية شاملة، وأبناؤها من اليمين المتطرف والمُستوطنين، الذين يدفنون أي حل سياسي للصراع مهما كانت التكلفة الإنسانية.
إثراء شركات الأسلحة
وتُنبّه بيكيه إلى أنّ هذه الأسلحة إنّما استخدمت بشكل
رئيسي لتسمين المُجمّع الصناعي العسكري، الذي يجني مليارات الدولارات مع كل اندلاع للعنف.
ويتساءل المرء إلى متى سوف يقبل المُجتمع الإسرائيلي التضحية بأطفاله لصالح شركات الأسلحة. هنا، تضيف الكاتبة أنه "لا شك بأنّ التفوق العسكري الساحق الذي تتمتع به إسرائيل قد منع مُجتمعها من مواجهة هذا الواقع"، موضحاً أنَّ "الأسلحة لا تحمي الدولة، بل تُدمّرها من الداخل من خلال إضعاف أسسها السياسية والأخلاقية".
وتختتم المؤرخة تحليلها بالدعوة المُلحّة إلى
تغيير هذه الاستراتيجية، فالدفاع عن إسرائيل برأيها يعني دعم كل من يُطالب بفرض عقوبات صارمة على الدّاعين لتدمير واستعمار واحتلال الأراضي الفلسطينية.
(24)