تصاعدت ردود الفعل الغاضبة والرافضة والمنتقدة لقمة الرئيس الاميركي دونالد ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، إلى مستويات مثيرة داخل وخارج الولايات المتحدة، فيما تتوجه الأنظار اليوم لجلسة ترامب مع الكونغرس للاستماع لتفاصيل القمة، والتي يتوقع أن تكون جلسة ساخنة مليئة بالانتقادات والاتهامات.
وفور انتهاء المؤتمر الصحافي لترامب وبوتين أمس الاثنين بالعاصمة الفنلندية هلسنكي، تزايدت الانتقادات الحادة من داخل وخارج الولايات المتحدة لطبيعة وتوقيت اللقاء، فضلاً عن التصريحات المثيرة التي أطلقها ترامب واتهم فيها شخصيات ومؤسسات أميركية في معرض دفاعه عن توجهات الرئيس بوتين.
وكان لافتاً أمام هجوم ترامب على شخصيات ومؤسسات أميركية ووصفها "بالغباء"، خلو اندفاعه من توجيه أي انتقاد لموسكو عن أي من القضايا التي تسببت في وصول العلاقات بين واشنطن وموسكو إلى أدنى مستوى لها منذ الحرب الباردة.
وأثار أداء ترامب في المؤتمر الصحافي في هلسنكي موجة من الانتقادات في الولايات المتحدة، ويسعى البيت الأبيض منذ أشهر جاهدا لتبديد تلميح بأن ترامب غير مستعد للوقوف في وجه بوتين.
وهاجم زعيم المعارضة الديمقراطية في مجلس الشيوخ الاميركي تشاك شومر، الاثنين، ترامب، وقال إنه تصرف بشكل "غير مسؤول، وخطير، وضعيف" أمام نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وأعلن شومر في تغريدة على موقع تويتر، بعد المؤتمر الصحافي المشترك للرئيسين في هلسنكي، "مسألة وحيدة لا تُحمد عقباها تطرح الآن على البيت الأبيض: ما الذي يدفع ترامب لتغليب مصالح روسيا على مصالح الولايات المتحدة؟".
وتابع شومر: "سيستمر ملايين الأميركيين بالتساؤل عن ما إذا كان التفسير الوحيد لهذا التصرف الخطير هو احتمال امتلاك الرئيس بوتين معلومات تؤذي الرئيس ترامب".
بدوره، اعتبر السيناتور الجمهوري جون ماكين، المؤتمر الصحافي المشترك بين ترامب وبوتين في هلسنكي "إحدى أسوأ لحظات تاريخ الرئاسة الأميركية"، مشيراً الى انه "الأداء الأكثر عيباً لرئيس أميركي" مضيفا أن "من الواضح أن قمة هلسنكي كانت خطأ مأسوياً".
فيما انتقد مدير سابق للمخابرات المركزية الاميركية أداء ترامب ووصفه بأنه "خيانة" وندد به سيناتور جمهوري ونعته "بالمشين" لكنّ جمهوريين آخرين كانوا أكثر تحفظا.
وقال مدير المخابرات الوطنية الاميركية دان كوتس الذي اختاره ترامب ووافق عليه الكونغرس في بيان:"كنا واضحين في تقييمنا بشأن التدخل الروسي في انتخابات 2016 وبشأن جهودهم المتواصلة والواسعة لتقويض ديمقراطيتنا وسنستمر في تقديم تقييمات مخابراتية واضحة وموضوعية دعماً لأمننا القومي".
من جهته، قال السيناتور الجمهوري لينزي غراهام إن أداء ترامب سيبعث برسالة "ضعف" إلى موسكو، مضيفا أن "ترامب أضاع فرصة لمحاسبة روسيا على التدخل في انتخابات عام 2016 وتوجيه تحذير قوي يتعلق بالانتخابات القادمة. ستنظر روسيا إلى رد ترامب على أنه دلالة على الضعف وهذا الرد يخلق مشكلات أكثر مما يحل".
فيما قال جيف فيلك وهو سيناتور من أريزونا لترامب: "لم أعتقد أبدا أنني سأرى اليوم الذي يقف فيه رئيسنا الاميركي على المنصة مع الرئيس الروسي ويوجه اللوم للولايات المتحدة وليس للعدوان الروسي. هذا أمر مشين".
وذهب مدير المخابرات المركزية السابق جون برينان إلى أبعد من ذلك وقال إنه يجب عزل ترامب من منصبه.
وأضاف: "أداء دونالد ترامب في المؤتمر الصحافي في هلسنكي يرتفع ويتجاوز حد "الجريمة الكبرى والإثم" لم يكن هذا أقل من الخيانة. لم يكن ترامب معتوها فحسب في تصريحاته بل كان بأكمله في جيب بوتين. أيها الجمهوريون الوطنيون: أين أنتم؟؟؟".
وقالت نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب على موقع تويتر: "في كل يوم أسأل نفسي: ما الذي يمسكه الروس على دونالد ترامب شخصيا؟ هل هي أمور مالية أم سياسية؟ والإجابة على هذا السؤال هي الشيء الوحيد الذي يفسر سلوكه ورفضه للوقوف أمام بوتين".
بدوره، قال بول رايان رئيس مجلس النواب الاميركي إنه "لا شك" في أن موسكو تدخلت في الانتخابات الاميركية عام 2016 وإن على ترامب "أن يدرك أن روسيا ليست حليفتنا".
وقال رايان في بيان: "ليس هناك تكافؤ أخلاقي بين الولايات المتحدة وروسيا التي ما زالت معادية لقيمنا وأفكارنا الأساسية، يجب أن تركز الولايات المتحدة على محاسبة روسيا ووضع نهاية لهجماتها الوضيعة على الديمقراطية".
ومن جانبه، قال بوب كوركر الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ إن تصريحات ترامب "جعلت الولايات المتحدة تبدو كما لو كانت لقمة سائغة".
وأضاف في تصريحات لمحطة CNN "عندما أتيحت له الفرصة للدفاع عن أجهزة مخابراتنا التي تعمل لصالحه، أصابتني خيبة الأمل والحزن بالمقارنة التي عقدها بينها وبين ما يقوله بوتين"، وذلك في إشارة إلى استنتاجات المخابرات بأن موسكو تدخلت في الانتخابات الاميركية عام 2016 ونفي بوتين الذي قبله الرئيس الجمهوري ترامب على ما يبدو.
وانتقد وزير الخارجية الاميركي الأسبق جون كيري، تصريحات ترامب مشيرا في بيان له نشره عبر صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي: "اشتغلت في تدبير الحياة العامة لمدة 6 عقود، ولم يسبق أن رأيت رئيسًا أميركياً يقوم أو يقول ما قاله الرئيس ترامب اليوم، فهذا شيء مؤسف لا يمكن الدفاع عنه".
وشدد كيري، على أن "المشكلة لا تكمن في لقاء أحد الخصوم، فقد عقدت العديد من الاجتماعات مع روسيا وكان الكثير منها بناءً لأميركا، فحتى لو كانت لدينا خلافات عميقة، فهذه هي الدبلوماسية".
في مقابل ذلك، أضاف الوزير الاميركي الأسبق: "استسلم الرئيس ترامب لتضليل بوتين بخصوص الهجمات على الديمقراطية الاميركية، وقال إنه لا يرى أي سبب لتدخل روسيا في انتخاباتنا".
وأردف أن "العرض المروع اليوم أي المؤتمر الصحافي لبوتين وترامب، هو بالضبط السبب الذي جعل روسيا تختار التدخل".
وتابع: "تصريحات ترامب ليست كلمات رئيس ينقل قضية أميركا إلى العالم، ناهيك عن أن يهتم بأوروبا أو سوريا، ويفهم نهج بوتين المعروف جيدا بمهاجمته للديمقراطيات من أجل تعزيز مصالحه".
واعتبر كيري أن "المشكلة أعمق من ذلك بكثير"، مستكملًا بأن "الرئيس خلال الأسبوع الماضي انفصل عن حلف شمال الأطلسي الذي بنيناه، وحطّم حليفتنا بريطانيا، ووصف أصدقاءنا الأوروبيين بالأعداء".
وذكر أن "ترامب وقف إلى جانب بوتين على حساب وكالات الاستخبارات الاميركية، ووقف إلى جانب زعيم يسجن الصحافيين، كما أنه انتقد وسائل الإعلام الحرة".
وشدد كيري على أن "المشكلة ليست في عقد ترامب للقمة، وإنما في نهج سياسة سيئة لأميركا والحلفاء. هذه السياسة جيدة فقط لفلاديمير بوتين".
بدوره، قال وزير الخارجية السويدي الأسبق، كارل بيلدت، إن "ترامب بدا ضعيفا لدرجة مقلقة أمام الرئيس الروسي، بينما ظهر بوتين متمكنا من كل شيء".
وأردف بأن ترامب لم يوجه أي انتقاد حيال السياسة الروسية، ولم يتفوه بكلمة بشأن أوكرانيا، ولا يوجد شيء بخصوص الوضع في سوريا، أما وزيرة الخارجية السويدية الحالية مارغو والستروم، فقالت إن أداء ترامب، في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره فلاديمير بوتين، كان ضعيفا.
وقالت والستروم في تصريح للتلفزيون السويدي: "الجانب الاميركي لم يقل شيئا حول ضم روسيا للقرم بشكل غير شرعي"، لافتة الى أن ترامب لم يوجه أي انتقاد إلى روسيا، خلال اللقاء، وأضافت: "نؤيد خفض حدة التوتر المتصاعد من خلال الحوار، لكن للأسف لم يتم طرح أي مشكلة خلال هذا الاجتماع".
ومن المقرر اليوم الثلاثاء، أن "يمثل" ترامب أمام أعضاء بالكونغرس، لبحث قمة هلسنكي وما أثارته من تصريحات ومواقف وانتقادات، حيث سيخضع ترامب لاستجواب الأعضاء.
(عربي 21)