تحت عنوان "محدودة ومقيّدة: إدارة بايدن وآفاق سياسة سوريا"، نشر المجلس الأطلسي مقالاً تحليلياً لعبد الرحمن المصري استعرض فيه ما ينتظر دمشق في ظل تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن الإدارة من دونالد ترامب، مؤكداً أنّ الشرق الأوسط برمته لن يحتل قائمة أولوليات سيد البيت الأبيض الجديد.
في قراءته، سلّط المصري الضوء على قرار بايدن تعيين أنتوني بلينكن وزيراً للخارجية، قائلاً: "لا يشير تعيين بلينكن إلى نية بالعودة إلى الوضع الطبيعي- الدولانية الليبرالية والتأكيد على القيم الديمقراطية في السياسة الخارجية- بل إلى إدراك الخطوات الخاطئة السابقة".
وفي هذا الإطار، ذكّر المصري بتصريحات سابقة لبلينكن (مستشار الأمن القومي في عهد أوباما) اعترف فيها بفشل الإدارة الأميركية في سوريا، ونقل عنه قوله: "فشلنا في تفادي خسارة مروعة بالأرواح. وفشلنا في منع النزوح الجماعي للشعب داخل سوريا، وخارجها كلاجئين بالطبع".
وتابع المصري، نقلاً عن بلينكن، قوله إنّه تحدّث عن ضرورة دعم الولايات المتحدة "الشركاء المحليين" في شمال شرقي سوريا، بهدف مواصلة الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد والحصول على تنازلات، والبدء بإعادة تفعيل المسار الديبلوماسي للتوصل إلى حل.
وهنا، علّق المصري قائلاً: "تنطوي رؤية بايدن للسياسة الخارجية على عودة الولايات المتحدة كزعيم عالمي قوي وكقوة عظمى فاعلة. إلاّ أنّ المناخ الداخلي الأميركي ليس مؤاتياً لإبرام التزامات جريئة في السياسة الخارجية هذه المرة، لا سيما أنّه محفوف بالتحديات الناتجة عن جائحة فيروس كورونا والتداعيات الاقتصادية". وأضاف المصري: "هناك رغبة شعبية في الحفاظ على الهيمنة الأميركية"، متحدثاً عن الحركات المعادية للحروب وعن التقدميين الذين يتحدّون مفهوم زعامة الولايات المتحدة للعالم ويسعون إلى تغيير في منظور السياسة الخارجية الأميركية.
إلى ذلك، لفت المصري إلى أنّ البيت الأبيض لا يتصرف بمفرده على هذا المستوى، مبيناً أنّه سيتعين على إدارة بايدن التعامل مع الكونغرس المنقسم بين جمهوريين وديمقراطيين.
المصري الذي رأى أنّ الولايات المتحدة تتعاطى مع النزاع السوري باعتباره جزءاً من "الحروب اللانهائية" الأميركية، موضحاً أنّ الحجة تقول إنّه يتعين على الولايات المتحدة مغادرة سوريا وغيرها من مناطق النزاع بهدف "إنهاء الحروب اللانهائية". المصري الذي اعتبر أنّ مغادرة القوات الأميركية أو فك ارتباطها لا ينهي الحروب أو النزاعات المطولة، أكّد أنّ هذا الدفاع يكتسب زخماً من طرف الجمهوريين والديمقراطيين على السواء. ولكن سرعان ما وصف المصري "الجهود المبذولة في سبيل وضع استراتيجية تلعب بموجبها الولايات المتحدة دوراً لإنهاء النزاعات بشكل فعلي بالتزامن مع حماية الأمن القومي والمصالح الجيوسياسة" بأنّها "ضيئلة". وفي هذا الصدد، استبعد المصري أن يحتل الشرق الأوسط قائمة أولويات بايدن، وأضاف: "يُرجح أن ينشغل بايدن بترميم التحالفات وتحويل تركيزه الأساسي إلى شرق آسيا لمعالجة مسألة المنافسة الاستراتيجية المتنامية مع الصين".
توازياً، حذّر المصري من أنّ تحديات سوريا اليوم مختلفة بالمقارنة مع فترة تولي بايدن نيابة الرئاسة الأميركية. وفي حين أكّد المحلل أنّ الإدارة الأميركية الجديدة ستستغرق وقتاً لتأمين نفوذ واسع في سوريا، نبّه من دور الروس والإيرانيين، الذين "سيتحكمون بمسار النزاع". وفيما توقع المصري اعتماد بايدن على الورقة الديبلوماسية بشكل كبير، اعتبر أنّ نيته إعادة إحياء مسار جنيف السياسي صعب، نظراً إلى إطلاق روسيا مساراً موازياً خارج إطار الأمم المتحدة، في إشارة إلى مسار أستانة. وعليه، رأى المصري أنّ إعادة التعاطي الديبلوماسي مع سوريا يستدعي بناء علاقة تعاونية مع الروس والثقة بنواياهم لإنهاء النزاع بشروط مؤاتية.
وبناء على هذه المعطيات، قال المصري "هناك ما يشير إلى أن إدارة بايدن ستكون لاعباً أكثر جدية ونزاهة في سوريا"، مؤكداً أنّ بايدن سيواصل المضي بسياسة العقوبات، ومرجحاً حفاظه على الوجود العسكري الأميركي في شمال شرقي البلاد (ما لم يتخذ ترامب قراراً بالانسحاب)، وسعيه إلى الحوار مع تركيا في ما يتعلق بالأكراد.