أوردت "الجزيرة": الساعة الثالثة والنصف، فجر السبت 1969/8/23 -بعد يومين فقط من إحراق المتطرف الإسرائيلي "دينيس مايكل روهان" المصلى القِبلي في المسجد الأقصى المبارك بالقدس المحتلة- قامت مجموعة فلسطينية بتجهيز 16 صاروخًا موجهة إلى الكنيست، ومجلس الوزراء الإسرائيلي، وأحد الفنادق بغربي القدس.
كان الحريق قد خلّف خرابا واسعا في المسجد وملحقاته وبنائه التاريخي، وأتى على منبر صلاح الدين الأيوبي الشهير فيه، كاملا. فيما رحّلت إسرائيل المتطرف "روهان" إلى استراليا التي يحمل جنسيتها، بحجة أنه "معتوه".
عملية نوعية
خططت المجموعة الفلسطينية المكونة من 16 فردًا باستخدام 20 دابّة، لعملية عسكرية نوعية تزامنًا مع انطلاق جلسة المجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة، والمحددة بتاريخ 1969/8/28. وذلك من خلال إدخال صواريخ من نوع "كاتيوشا 122" تهريبًا من الأردن عن طريق البحر الميت تجاه فلسطين. لكن مفاجأة إحراق الأقصى عجلت في تنفيذ العملية.
وفي تفاصيل العملية، شكّلت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" -في ذلك الوقت- عدة مجموعات لنقل الصواريخ ومعداتها من الأردن وصولا إلى بيت ساحور شرق بيت لحم، والتي تبعد قرابة (14) كيلومترا هوائيا عن النقاط المستهدفة في غربي القدس.
ونُقلت الصواريخ بعد تخبئتها على تخوم البحر الميت (بين الأردن وفلسطين) عبر الدواب، والتقت المجموعات المشاركة عند المكان الذي حدده شخصان قدما من الأردن لتنفيذ المهمة.
يقول الحاج يونس جدوع العصا (79 عامًا) والذي حُكم على خلفية العملية العسكرية بالسجن لمدة 20 عامًا، وأمضى منها 10 سنوات، ثم أُبعد إلى الأردن، إلى أن عاد إلى فلسطين عام 1994، بعد اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، إن مجموعته كانت مؤلفة من الشهيدين إسماعيل جدوع العصا، وأحمد حسين العصا، عدا عن المجموعات الأخرى التي تحفّظ على أسماء أعضائها "لسرية المعلومات"، وقد هدم الاحتلال منازل ثلاثتهم في بلدة العبيدية شرق بيت لحم.
القصف والرد بالحصار
استقبل الثلاثة المجموعات الأخرى في النقطة المتفق عليها قرب بلدتهم. وعن هذه اللحظة ضحك الحاج يونس وقال إن أحد الحمير واجهته سلسلة حجرية وهو محمل بالصاروخ، فاضطر الشهيد أحمد حسين إلى حمل ذلك الحمار، واجتاز به العائق الحجري، ليتم التسليم في الوقت والمكان المحددين، والتأكد من أمن المنطقة والانسحاب.
عاد أفراد المجموعات إلى بيوتهم، وعند الساعة 4:30 فجرًا سمعوا 3 انفجارات، وظنوا أن خللًا أصاب إطلاق الصواريخ، ليتبين لاحقًا أن 3 منها أطلقت على الأهداف وسقطت في ساحات الكنيست ومجلس الوزراء الإسرائيلي وأحد الفنادق، ولكنها لم تخلّف قتلى، كما أعلن الاحتلال الإسرائيلي فيما بعد.
دفع هذا الهجوم -وفق يونس العصا- وزير جيش الاحتلال آنذاك موشيه ديان إلى فرض حصار مشدد ومنع تجول على المنطقة الشرقية لبيت لحم لمدة شهر، متوعدًا بتجويع الناس إذا لم يساعدوا في الوصول إلى الفدائيين.
وعلى وقع الحصار، شُكلت لجنة شعبية لإرسال المعونات إلى سكان المحاصرين من المناطق الفلسطينية المختلفة.
معتقلون وفارون
استطاع الاحتلال الإسرائيلي الوصول بالصدفة إلى مجموعة فلسطينية مسلحة بعد ذلك بشهرين، حتى قادته عمليات البحث إلى أحد المشاركين بالعملية وقام باعتقاله، ثم اكتشف بعض أفراد المجموعات الأخرى، واستطاع عدد منهم الفرار إلى الأردن، بينما ظل آخرون مجهولي الهوية.
وبعد أكثر من 23 جلسة محاكمة عسكرية، حكم الاحتلال على الحاج يونس العصا بالسجن 20 عامًا بتهمة تنفيذ العملية والتخطيط لها والتستر على من وصفهم بالمجرمين، بينما أمضى زميله إسماعيل جدوع 16 عامًا في الأسر، وأحمد حسين 13 عامًا.
واستشهدا جدوع وحسين بعد الإفراج عنهما بسنوات، متأثرين بالإصابات والأمراض التي أنهكتهما داخل السجون الإسرائيلية.
"رد مؤلم"
اكتُشف فيما بعد أن حركة فتح أدخلت 28 صاروخا إلى فلسطين، وأطلق منها صاروخين تجاه إحدى المستوطنات في جنوب الضفة الغربية، و3 صواريخ على الكنيست والفندق ورئاسة الوزراء الإسرائيلية، ردًا على إحراق المسجد الأقصى المبارك، الذي قالت عنه رئيسة وزراء إسرائيل وقتها "غولدا مائير" "إنها لم تنم ليلتها؛ لأنها كانت خائفة أن يدخل العرب إسرائيل أفواجا من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي أدركت أنه "باستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده".
ولكن كان الرد الفلسطيني "مؤلما"، كما وصفه وزير جيش الاحتلال "موشيه ديان" الذي وصل مكان إطلاق الصواريخ، وقال إنه لن يسمح "بمكوث مخربين حول القدس"، وهدد عشائر منطقة العبيدية والتعامرة وشرق بيت لحم بالترحيل إلى شرق نهر الأردن، لأنهم "يعرفون من هم المنفذون ولا يدلون عليهم".
وكان التكاتف الفلسطيني كبيرًا مع سكان المنطقة المحاصرة، ووصلتهم المساعدات الغذائية والمالية من كل مكان في فلسطين، دعما لمنفذي العملية التي كانت أكبر رد، وقتها، على إحراق المسجد الأقصى المبارك.