إذا كان هناك خاسر كبير في الانتخابات الوطنية الألمانية، يوم الأحد، فقد كان الجناح اليميني المحافظ والمتطرف من الطيف السياسي لتلك الأمة. تشير النتائج إلى أن أوروبا ربما تفقد افتتانها باليمين المتطرف في أعقاب الفوضى التي سادت سنوات حكم ترامب.
لا تزال التحولات الدراماتيكية، بحسب موقع "أن بي سي نيوز" الأميركي، في نتائج الانتخابات تترك كماً من الشكوك وطريقًا نحو الفوضى المحتملة في دولة كانت لفترة طويلة بمثابة الأمة الراسخة للاتحاد الأوروبي، حيث كانت أنجيلا ميركل زعيمة القارة غير المعلنة ولكن المعترف بها على نطاق واسع. بفضل اقتصادها القوي وموقعها المهيمن، كانت ألمانيا الدولة التي لجأت إليها الدول الأضعف والأكثر فقراً في القارة للمساعدة خلال الأزمات الاقتصادية. كما وواجهت استجابة الاتحاد الأوروبي للاستفزازات الروسية، وموجات الهجرة من الشرق الأوسط وأفريقيا، والتحديات الأميركية طوال فترة رئاسة دونالد ترامب.
الآن، وبعد أن رفضت ميركل الترشح لولاية خامسة، أصبحت ألمانيا مهددة بفوضى داخلية. يبدو من غير المرجح أن ينجح اليمين في تشكيل الحكومة، على الرغم من اقتراحات قادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي بأنهم سيحاولون ذلك.
خلال هذه الفترة الانتقالية الصعبة، يمكن أن تترك ألمانيا بدون حكومة متماسكة، حيث تعمل ميركل كمستشارة مؤقتة مع صلاحيات محدودة. هذا الأمر قد يهدد البلاد بالتحول إلى وضع لا يختلف عن تلك التي واجهتها إيطاليا وحتى بلجيكا، التي تحمل الرقم القياسي، والبالغ 541 يومًا، لأطول فترة لأي دولة أوروبية بدون حكومة أغلبية منتخبة ديمقراطيًا.
كل هذا يترك الطريق مفتوحًا أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتولي منصب ألمانيا كزعيم غير رسمي لأوروبا قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية الحاسمة في الربيع. ومن المقرر أن تتولى فرنسا وماكرون الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر، وقد بدأت فرنسا بالفعل في وضع الأسس لهذه الفترة من خلال توسيع استخدام الفرنسية كلغة أساسية للاتحاد الأوروبي.
وبحسب الموقع، بالتأكيد، كانت هناك بعض الأمور التي شجعت اليمين المتطرف لألمانيا على الاعتقاد بأن لديها فرصة للحفاظ على موقفها القوي في الانتخابات. وجاءت الهجرة على رأس برنامجهم، خاصة في أعقاب التراجع الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان وإطلاقها المفاجئ لعشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان. ويخشى الألمان من أن تكون بلادهم الوجهة الأولى لهؤلاء اللاجئين، إلا أنه حتى الآن، لم يتحقق هذا الخوف.
بينما تحدد ألمانيا ائتلافها الجديد، تحتاج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إثبات أنها ستعمل بمهنية وفعالية مع أي حكومة ستنشأ. والآن، يشكك العديد من الدول الأوروبية في الولايات المتحدة واستعدادها للتعامل بشكل مباشر وعلني مع حلفائها القدامى وذلك بعد ما حصل بينها وبين فرنسا في موضوع صفقة الغواصات مع استراليا.
إذاً، بإمكان حكومة يسار وسط أن تلعب دورًا مهمًا للغاية في دعم مبادرات بايدن البيئية في جميع أنحاء العالم، وتفضيله للدبلوماسية على القوة العسكرية، كما وتشديده على اعتماد أجندة اقتصادية تعتمد على الانفاق الحكومي بدلاً من التقشف. من المؤكد أن هذه الحكومة لن توفر أي راحة على الإطلاق لجناح ترامب في الحزب الجمهوري الأميركي، ولا لأي قوة سياسية تحذو حذوه في أوروبا.