مع تعافي الاقتصاد العالمي واستعداد القادة العالميين للاجتماع لعقد مؤتمر تاريخي حول تغير المناخ، تهدد أزمة الطاقة المفاجئة التي تضرب العالم سلاسل التوريد، الأمر الذي يثير التوترات الجيوسياسية كما وتساؤلات حول ما إذا كان العالم مستعدًا لثورة الطاقة الخضراء.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فان التعافي الاقتصادي من الركود الوبائي كان السبب خلف هذه الأزمة، التي تأتي بعد عام من التراجع في استخراج الفحم والنفط والغاز. ومن الأسباب والعوامل الأخرى التي أدت إلى هذه الأزمة، استنزاف الاحتياطات جراء الشتاء القارس على أوروبا، إغلاق مصافي النفط في الخليج بسبب سلسلة الأعاصير التي ضربت المنطقة، وتوقف بكين عن استيراد الفحكم من "داون أندر" بعد تردي العلاقات بين الصين وأستراليا.
وفيما يستعد قادة العالم للاجتماع في غلاسكو في اسكتلندا، في نهاية الشهر لحضور مؤتمر المناخ، يقول المدافعون عن الطاقة المتجددة إن الأزمة تظهر الحاجة إلى الابتعاد أكثر عن الفحم والغاز والنفط مع ارتفاع أسعار هذه السلع. أما منتقدو هذه النظرية، فيؤكدون أنه وبعد اختبار طاقة الرياح والطاقة الشمسية تبين أنها لن تملأ النقص الموجود. ويشعر المحللون بالقلق من أن النقص وارتفاع الأسعار في كل أنحاء العالم سيعوق بشدة الانتعاش الاقتصادي.
ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى فرصة في الأزمة، فهو غالبًا ما يستغل احتياطات بلاده الهائلة من الطاقة في البلاد كوسيلة ضغط في فترة الأزمات. يوم الأربعاء، اقترح بوتين أنه يمكن للعملاء الأوروبيين لروسيا أن يحلوا مشكلتهم إذا استوردوا المزيد من الغاز الروسي.
ويشكك المحللون في أن هذه الخطوة ستحدث فرقًا كبيرًا على الفور، لأنه في الوقت الحالي ليس لدى روسيا الكثير لتوفره، لكن نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك قال إنه حتى كمية صغيرة إضافية من الغاز المصدّر يمكن أن تكبح ما تصفه موسكو بجنون المضاربة في أوروبا.
يأتي هذا التنبيه على خلفية الخلافات الحادة داخل الاتحاد الأوروبي حول الاستجابة للأزمة. ينظر القادة إلى الاتحاد الأوروبي على أنه كبش فداء أو منقذ، حيث طالب بعض رؤساء الحكومات الاتحاد بحل موحد للأزمة وألقى آخرون باللوم على ارتفاع الأسعار في سياساته الشاملة لمكافحة تغير المناخ وتقليل الانبعاثات.
وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي تربطه علاقات ودية مع بوتين، يوم الأربعاء أن الاتحاد الأوروبي كان مسؤولاً جزئياً عن الزيادات وأن الكتلة "يجب أن تغير سياستها". وفي اليوم نفسه، قال رئيس المناخ في الاتحاد الاوروبي، فرانس تيمرمانز، إن أولئك الذين يلومون الصفقة الخضراء للكتلة يفعلون ذلك "لأسباب أيديولوجية" وأن الانتقال من الوقود الأحفوري سيساعد في إنهاء أزمات الأسعار، وليس تفاقمها.
يجادل محللو الطاقة بأن أوروبا تحركت بسرعة كبيرة بعيدًا عن الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري ، قبل ضمان أن المصادر المتجددة كافية. ويقولون إن أوروبا عالقة في منتصف الطريق في فترة انتقالية تستغرق عقودًا، وتسعى جاهدة الآن للعثور على الفحم والغاز لحرقهما في مصانعها التقليدية المتبقية.
أحد العوامل المهمة هو خط أنابيب نورد ستريم 2 الجديد، الذي يربط روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق ولكن لم يبدأ تشغيله بعد. حث المسؤولون الروس ألمانيا على تسريع موافقتها التنظيمية، مشيرين إلى أنها ستوفر حلاً طويل الأجل لمشاكل الطاقة في البلاد.
يمكّن خط الأنابيب الجديد روسيا من إرسال الغاز إلى الغرب مع تجاوز أوكرانيا، ويرى المسؤولون في كييف منذ فترة طويلة أنه سلاح يستهدفهم. يجادلون بأنه بمجرد تشغيل خط الأنابيب، ستستخدم موسكو الغاز كهراوة لإجبار الدول الأوروبية على تقديم عروضها.
المسؤولون انفسهم قلقون من أنه نظرًا لأن أوكرانيا لم تعد دولة عبور للغاز الروسي، فإن كييف ستفقد إحدى أدوات نفوذها القليلة على موسكو، وهذا يشكل خطرًا حيث أن الكرملين يمكن أن يصعد الحرب المستمرة منذ سبع سنوات في شرق أوكرانيا.