قالت مجلة "نيوزويك" الأميركية إن منطقة الشرق الأوسط تشهد حاليا تطورا غريبا ومثيرا للدهشة من خلال حركية دبلوماسية في كل الاتجاهات بات من خلالها القادة -الذين عادة ما يقوض بعضهم مصالح بعض- يستكشفون ترتيبات بناءة أكثر لدولهم، فيما بدأت الأقطار التي كانت ذات يوم تتصارع حتى الموت من أجل النفوذ الإقليمي في إرساء نوع من السلم وخفض حرارة التوتر في جزء من العالم غالبا ما يقترن بالحروب والصراع.
وذكرت المجلة -في مقال لكاتب العمود المختص في شؤون الدفاع والسياسة الخارجية دانييل دي بيتريس- أن "الرحلة التاريخية" التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت خلال هذا الأسبوع إلى الإمارات ولقائه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ليسا سوى أحدث مثال على كيف أن دولا طبّع العداءُ علاقاتها في السابق تسعى الآن لدفن الأحقاد.
وفي 24 تشرين الثاني الماضي -أي قبل نحو شهر من استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي- حط ولي العهد أبوظبي الرحال في تركيا لتوقيع سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والمالية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وكان حفل التوقيع على هذه الاتفاقيات لحظة مشهودة بالفعل لأن كلا البلدين كانا على خلاف حول عدد لا يحصى من القضايا منذ اندلاع احتجاجات الربيع العربي، ووجدت أنقرة وأبوظبي نفسيهما في الجانبين المتقابلين لخطوط الصدع في المنطقة.
كما تعمل تركيا ومصر أيضا على إنقاذ علاقاتهما الثنائية؛ حيث اجتمع نائبا وزيري خارجيتهما في أيلول الماضي في محاولة لتضييق دائرة المشاكل القائمة بينهما، خاصة مطالباتهما المتضاربة بشأن حقول الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط وتدخل كل طرف في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، وقاما كبادرة حسن نية بتخفيض نطاق حربهما الدعائية بوسائل الإعلام.
من ناحية أخرى، يتواصل السعوديون والإماراتيون أيضا مع إيران لإجراء محادثات من المحتمل -إن هي نجحت- أن تخفف نيران العديد من الحروب بالوكالة التي عصفت بالشرق الأوسط لعقود.
ووفقاً لـ"نيوزويك"، فإنه "حتى الرئيس السوري بشار الأسد بدأ في العودة مرة أخرى تدريجيا إلى الحظيرة الإقليمية، حيث زادت كل من الإمارات والسعودية والأردن وعمان والعراق خلال هذا العام تواصلها وانخراطها مع دمشق".
وتؤكد المجلة أنه بالرغم من كون كل هذه الخطوات الدبلوماسية فريدة من نوعها فإن هناك سمة مشتركة تجمعها، وهي شعور الجميع بأن الولايات المتحدة بدأت تزيح منطقة الشرق الأوسط من صدارة أولوياتها ضمن إستراتيجيتها الكبرى بعد مشاركة مكثفة في شؤونها الداخلية لأزيد من عقدين.
لذلك فليس من قبيل المصادفة -تضيف المجلة- أن تكون كل من السعودية والإمارات- اللتين اعتادتا على دعم أميركي غير مشروط- القوتين الدافعتين للكثير من النشاط الدبلوماسي الجاري الآن.
ومع تعهد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتخصيص موارد إضافية والاهتمام بمنطقة المحيطين الهندي والهادي بشكل أكبر بهدف احتواء النفوذ الصيني، يتم الآن تحفيز شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لاتخاذ ترتيباتهم الخاصة ويخلص قادة المنطقة إلى أنهم بحاجة إلى التكيف مع الظروف المتغيرة بدلا من الاستمرار في الاعتماد على الطرف الأميركي.
ولعل فك الارتباط العسكري الأميركي بالشرق الأوسط هو في الواقع قرار يخدم بشكل جيد المنطقة، كما أنه يخرج الولايات المتحدة تدريجيا من منطقة لم تعد -بصراحة- مهمة من الناحية الإستراتيجية لأمن الولايات المتحدة ومصالحها كما كانت خلال فترة الحرب الباردة، بحسب "نيوزويك".