على عجل، تعكف الشركات الأوروبية على تنفيذ قرار الاتحاد الأوروبي بالبحث عن مصادر جديدة للتزود بالفحم اللازم لتغطية احتياجاتها، عوضًا عن روسيا، بعد قرار دول الاتحاد حظر استيراد الفحم الحجري بشكل نهائي، في خضم توسيعها للعقوبات المفروضة على روسيا.
وكانت دول الاتحاد، أمهلت الشركات العاملة في الدول الـ27، أربعة أشهر لتعويض الفحم الروسي، ليبدأ تطبيق القرار اعتبارًا من أغسطس المقبل.
يأتي هذا في الوقت الذي يتعرّض الأوروبيون لضغوط، من أجل استهداف عقوباتهم قطاع الطاقة الحيوي الروسي، وإجبار موسكو على إيقاف هجومها على أوكرانيا.
وكانت ألمانيا من أبرز المعارضين، وأظهر تقرير لوزارة الاقتصاد الألمانية، أن برلين ستضطر لوقف تشغيل بعض محطاتها للكهرباء إذا أنهت واردات الفحم من روسيا على الفور، رغم أن اعتمادها على روسيا في ذلك الوقود ينكمش سريعًا.
صدارة روسية
تشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن الفحم لا يزال أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في العالم حتى الآن، إذ يوفر نحو 38 في المائة من الحاجة العالمية للكهرباء، متفوقًا عن الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة.
وصدرت روسيا 238 مليون طن من الفحم في عام 2021، مع توجيه 90 مليون طن من هذا الحجم إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ويقول مدير أبحاث الاقتصاد الكلي العالمي بالمعهد الوطني البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، كورادو ماكشياريلي، في تصريحات خاصة لموقع سكاي نيوز عربية، إن أكثر من 3 أرباع واردات الوقود الصلب "الفحم بشكل أساسي" يأتي من روسيا بنحو 47 بالمئة، والولايات المتحدة 18 بالمئة، وأستراليا 14 بالمئة، وفقًا لبيانات الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد ماكشياريلي أن هذا الحظر مهم، لأن واردات الاتحاد الأوروبي من الفحم الروسي تصل إلى ما يقرب من 4 مليارات يورو سنويا، في الوقت الذي تعتبر ألمانيا وبولندا وإيطاليا وهولندا من بين الدول التي تعتمد على الفحم الروسي أكثر من غيرها.
وأضاف: "السؤال هو ما إذا كان يمكن للاتحاد الأوروبي أن ينأى بنفسه عن الفحم الروسي، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي سرعة؟".
مخاطر.. وبدائل
أشار الخبير الاقتصادي في أحد أعرق المؤسسات البحثية في المملكة المتحدة، إلى أنه إذا لم تكن هناك تدابير وقائية، فقد يؤدي الطلب المتزايد من الاتحاد الأوروبي إلى ارتفاع أسعار الفحم العالمية بشكل أكبر، وبالتالي ارتفاع فواتير الطاقة للمستهلكين والشركات وزيادة الضغط على الدخل الحقيقي.
وقال ماكشياريلي: "لا أعتقد أن التخفيف المؤقت للوائح البيئية يجب أن يكون مطروحًا على الطاولة، إذ يجب أن تكون الحرب في أوكرانيا هي السبب وراء تفكير أعمق حول اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية وتقديم مبرر إضافي لانتقال الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كجزءٍ من خطط الاتحاد الأوروبي للتعافي والمرونة".
ويمكن استبدال واردات الفحم الصلب من روسيا إلى ألمانيا في غضون أشهر بواردات من الولايات المتحدة وكولومبيا وجنوب إفريقيا وأستراليا، وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن الرابطة الألمانية لمستوردي الفحم "في دي كيه".
وتعد ألمانيا أكبر مستوردي الفحم في أوروبا، وتلعب دورًا حيويًّا في الحركة العالمية لتجارة الفحم، وكذلك ثبات الأسعار.
تأثير قرار الاتحاد الأوروبي
وقالت شركة أبحاث الطاقة الأميركية، "ريستاد إنرجي"، إن قرار الاتحاد الأوروبي بحظر واردات الفحم من روسيا سيؤثر على ما يصل إلى 70 بالمئة من واردات أوروبا من الفحم الحراري.
وتوقع تقرير "ريستاد إنرجي" أن ترتفع الأسعار إلى مستويات أعلى مع تنافس المشترين على الفحم غير الروسي، وسوف يتضخم الوضع إذا قررت دول أو شركات أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أيضًا فرض عقوبات على واردات الفحم الروسية.
وقد ينتهي الأمر بالدول التي تواصل شراء الفحم الروسي، مثل الصين، بالاستفادة، مما قد يكون خصمًا كبيرًا.
لكن ماكشياريلي أضاف: "لست متأكدًا مما إذا كانت البلدان الأخرى ستكون قادرة على تغيير طلبها بسرعة. هناك مشكلة التنسيق الواضحة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتصبح الصورة أكثر تعقيدًا عندما يؤخذ بعين الاعتبار تعقيدات اقتصادات الاتحاد الأوروبي المختلفة، فضلًا عن الأسئلة الفنية والجيوسياسية المحيطة بمسألة استبدال الصادرات الروسية".