كتبت شانتال عاصي في "الديار":
بعد كابوس فيروس كورونا الذي دمّر اقتصاد العالم وسلب الآلاف من الأرواح، كابوس جديد يطلّ برأسه على العالم وهو «جدري القرود». هو مرض فيروسي نادر حيواني المنشأ، أي يُنقل من الحيوان إلى الإنسان، وتماثل أعراض إصابة الإنسان به تلك التي يعاني منها المصابون بالجدري، ولكنّها أقلّ شدّة.
أعراض المرض
تتراوح فترة حضانة فيروس جدري القرود عادة مدة 7- 14 يوما، إلا أنها يمكن أيضاً أن تتراوح بين 5- 21 يوما قبل بدء ظهور الأعراض، والتي تشمل ما يلي: حمى، صداع، آلام العضلات، ألم ، تورم العقد، قشعريرة، تعب وإرهاق.
ويتعافى معظم الناس في غضون أسبوعين إلى أربعة أسابيع دون الحاجة إلى دخول المستشفى، لكن يمكن أن يكون جدري القرود قاتلًا بنسبة تصل إلى واحد من كل 10 أشخاص، كما يعتقد أنه يكون أكثر حدةً عند الأطفال والحوامل ومَن يعانون ضعف المناعة.
سلالتان مختلفتان
وكشفت أخيراً بيانات التسلسل الجديدة من المراكز الأميركية للتحكم بالأمراض والوقاية عن انتشار ما لا يقل عن نوعين مختلفين وراثيًا من جدري القرود في الولايات المتحدة. فعلى الرغم من تشابههما مع بعضهما بعضا، فإن تحليلهما الجيني يظهر أنهما غير مرتبطين ببعضهما بعضا. ولكن حتى الآن، لا يمكن الجزم إن كان سيتحوّر المرض أكثر أم لا.
فرضيات حول نشوء «جدري القرود»
وفي ظل الأبحاث والإختبارات المستمرّة لمعرفة الأسباب التي أدّت إلى انتشاره، رجّح الخبراء أن هناك 4 احتمالات وهي:
- جريان أحداث أعطت الفيروس فرصة للانتشار.
- تطور «جدري القرود» ليصبح أفضل في انتقاله من إنسان إلى إنسان.
- إنتشار الفيروس من دون أن يتم اكتشافه لبعض الوقت.
- الضغط المتزايد على النظم البيئية قد يكون السبب في انتشار عدوى «جدري القرود» بين البشر.
وعلى الرغم من تأكيد منظمة الصحة العالمية على أن مستوى الخطر على المجتمعات لا يزال منخفضاً، إلا أنها كشفت أن ذلك قد يتغير في حالة أصبح الفيروس متوطنا على نطاق واسع في دول خارج أفريقيا، التي يوجد فيها عادةً.
تشخيص المرض.. وماذا عن اللقاح؟
يشمل التشخيص السريري الذي يجب أن يُنظر في إجرائه أمراضاً أخرى مسببة للطفح، من قبيل الجدري المائي والحصبة والتهابات الجلد البكتيرية والجرب والزهري وأنواع الحساسيات الناجمة عن الأدوية. ويمكن أن يكون تضخّم العقد اللمفاوية خلال مرحلة ظهور بوادر المرض سمة سريرية تميزه عن الجدري المائي والجدري.
يعتمد تأكيد الإصابة بجدري القردة على نوع العينة وجودتها ونوع الفحص المختبري، ويُفضل استخدام تفاعل البوليميراز التسلسلي (PCR) كفحص مختبري نظرًا لدقته وحساسيته. ولهذا الغرض، تُعد العينات التشخيصية المثلى لجدري القردة تلك المأخوذة من الآفات الجلدية - سقف أو سوائل الحويصلات والبثور والقشور الجافة. وتعتبر الخزعة بديلاً مناسباً إذا أمكن.
وبحسب منظمة الصحية العالمية، فإن التطعيم حديثا أو قديما بلقاح قائم على فيروس جدري البقر الموهن (على سبيل المثال، أي شخص تم تطعيمه قبل استئصال الجدري، أو تم تطعيمه مؤخرًا كونه عرضة لخطر الإصابة أكثر من غيره مثل العاملين في مختبرات الكشف عن الفيروسات الجدرية) قد يؤدي إلى نتائج إيجابية خاطئة.
حتّى يومنا هذا، ما من علاج أو لقاح متاح لمكافحة المرض رغم أنّ التطعيم السابق ضدّ الجدري أثبت نجاعة عالية في الوقاية أيضاً من جدري القردة.
سبل الوقاية
هذا وتتمثل استراتيجية الوقاية الرئيسية من جدري القردة في زيادة تثقيف الناس بشأن التدابير التي يجب اتّباعها لحماية أنفسهم وعائلاتهم من الإصابة بالمرض والحدّ من انتشاره، أهمّها:
- تجنّب لمس الحيوانات المعرّضة للإصابة.
- حجر الحيوانات المصابة بيطرياً.
- عزل المصابين عن الآخرين.
- غسل اليدين بالصابون والماء وتعقيمهما.
- استعمال معدات الوقاية الشخصية عند الاعتناء بالأشخاص المصابين بالمرض.
الفرق بين "كوفيد-19" و"جدري القرود"
إن الفارق الأول بين «كورونا» و»جدري القرود»، يتمثّل في انتماء فيروس الجدري إلى فيروسات «دي إن إيه» (DNA)، بينما فيروس كورونا ينتمي إلى فيروسات «آر إن إيه» (RNA).
أما الفارق الثاني، فيتمثل في فترة العدوى، فجدري القرود يصبح معديا بعد ظهور الأعراض، بينما يكون كورونا معديا في فترة الحضانة وقبل ظهور الأعراض. وبالنسبة لسرعة الانتشار والعدوى فإنه بالنسبة لجدري القرود أقل بكثير جدا من كورونا.
وأحد الاختلافات الرئيسية بين المرضين، هو الطفح الجلدي النموذجي في جدري القرود. الطفح الجلدي، في حد ذاته، يمكن أن يعطينا فكرة عن فترة الانتقال. وسيكون جدري القرود معديًا حتى تجف جميع الآفات والطفح الجلدي.
فالقلق سيد الموقف، والعيون شاخصة نحو أرقام الإصابات التي ستسجّل في الساعات والأيام المقبلة، وبينما لا تزال منظمة الصحة العالمية تسعى لتحديد الأصل الدقيق لتفشي مرض جدري القردة الأخير، لا يوجد ما يشير إلى أن الفيروس المسؤول عن ذلك تحور أو أصبح أكثر خطورة.