تتجه أنظارنا القلقة إلى المنصّة الإلكترونية التي يطلقها مصرف لبنان الأثنين المقبل، والتي ستسمح للمصارف بالتداول بالدولار بيعًا وشراءً، شأنها شأن الصرّافین الشرعیین. السعر المفترض لدولار المنصّة الموعودة هو 10 الآف ليرة، وفقًا لما أعلنه وزير المال غازي وزني، أي أنّ سقف السعر الأدنى لدولارنا المتعدد الأوجه لن يكون أقل من 10 الآف، في حين أنّ المودع يأخذ القليل من دولاره المحتجز في المصارف على 3900 ليرة، بتعبير أوضح المودع المخدوع مُلزم ببيع دولاره إلى المصارف بقيمة 3900 للدولار الواحد، وبشرائه من المصارف نفسها بـ 10 الآف أقله، هذا إذا كان من الفئة المسموح لها أن تشتري الدولار من المنصة، أيّ فئة التجار والمستوردين فقط.
الموعد وآلية العمل
صحيح أنّ الإثنين هو الموعد الذي ضُرب لإطلاق المنصّة رقم 2، لكنّ عملها الفعلي قد يستغرق أيامًا عدّة وفق ما أوضح الخبير في الشؤون الإقتصادية والسياسية الدكتور بلال علامة في حديث لـ "لبنان 24"، بانتظار استكمال الاستعدادات اللوجستية والفنيّة وانتهاء الدورة التدريبية لموظفي المصارف والصرّافين وشركات تحويل الأموال على كيفية العمل في هذه المنصّة، بحيث طلب مصرف لبنان من كلّ مصرف ومؤسسة صرافة مسجّلة، انتداب شخصين لحضور الدورة التدريبية، وتمّ استحداث نظام معلوماتية ممسوك لإظهار كل العمليات التي تتم بتفاصيلها كافة.
هدف المنصّة وإيجابياتها
يوضح علامة أنّ هدف المنصّة يكمن في الحدّ من المضاربات على الليرة وضبط السوق، وعزل الصرّافين غير الشرعيين والناشطين في تهريب الدولار، والذين كانوا هدف الحملة الأمنية الأخيرة بحيث تمّ توقيف عدد منهم. يتحقق ذلك من خلال تحويل العاملين في الإقتصاد النقدي Economy Cash من السوق الموازية إلى المصارف، بحيث تجرى عمليات بيع وشراء الدولار ضمن هذه الآلية، ويتم تسجيل كل عملية مرفقة بتاريخها وحجمها وهوية أصحابها والغاية من إجرائها.
هذه العملية من شأنها أن تقطع الطريق على التجوال على الصرّافين وتجميع الدولار من السوق بسعر أعلى من المعروض. في السياق كشف علامة عن معلومات أكّدها صرّافون من الفئة "أ" في مناطق متعددة، أّنهم عصر كلّ يوم يتلقّون اتصالات هاتفية من أشخاص يسألون عن المبلغ المتاح بالدولار لديهم، ويعرضون شراء كل ما لدى الصرّافين من دولارات بسعر أعلى من المعروض بمئة أو مئتي ليرة "هذه العملية تتكرر يوميًا، ولكن تختلف الوجوه التي تأتي إلى محلات الصيرفة وتقش الدولارات. الصرّاف وإن كان يألف الوجوه، يجهل من يقف خلفها أو لصالح أي جهة يشتري هؤلاء المحصول الدولاري بنهاية كل يوم. كما أنّ الصرافين لا يعتبرون أنفسهم مخالفين للقانون من خلال ببيع الدولارات بهذه الطريقة، خصوصًا أنّهم يسجّلون المعاملة ويجنون الأرباح".
إيجابيات المنصّة وسلبياتها
يقارب علامة إيجابيات المنصة بقدرتها على محاصرة هذه العمليات والمضاربات، وإبقاء الدولار مضبوطًا بهامش يتراوح بين 10 و 12 ألف ليرة، وعدم السماح في أي وقت بتدهور سعر الصرف وتفلّته، كما حصل عندما قفز الدولار إلى 15700 ليرة بغضون خمسة أيام، ما أخاف المعنيين من تداعيات ذلك.
بالمقابل تكمن سلبيات المنصّة باستخدام أموال الإحتياطي "بمعنى أنّ ضبط الدولار عند سقف العشرة الآف من قبل السلطات النقدية المعنية، أي مصرف لبنان وزارة المال والأجهزة التي تمارس البلطجة في إملاء توجهاتها لضبط السوق، هو حكمًا من أموال الإحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان، أي من أموال المودعين".
المصيبة الأكبر هي السعر الذي حُدد للمنصة بين 10 و12 ألف ليرة، بمعنى أنّ سلطة رسمية في البلد حدّدت سعر الدولار بعشرة الآف ولو لقطاعات معينة، وهو رقم كارثي يقول علامة "يصورنه على أنّه إنجاز بينما هو في الواقع تكريس لسقف مرتفع للدولار الواحد، بحيث لم نعد نسمع احدا يتكلم عن دولار الـ 3 الآف أو 6 الآف. من جهة ثانية يتزامن إطلاق المنصة مع قرب رفع الدعم، ومع تمديد مفعول المنصة رقم 1 وفق سعر 3900 ليرة، مما يعني عمليًا السماح للمودع ببيع دولاره للمصارف وفق المنصّة رقم 1 بمبلغ 3900 للدولار الواحد، وحرمانه من بيعه وفق المنصة رقم 2 بعشرة الآف ليرة، كما أنّ المنصّة الجديدة محصورة بالكاش فقط ولا تشمل الحسابات المصرفية".
بالخلاصة " بين المنصّتين فرضوا هيركات مقنعًا يطال كل الودائع والإستثمارات بنسبة تصل إلى 75% بالحد الأدنى بما فيها الشك المصرفي. والمنصة تكريس لهذا الواقع، وإن كان لها بعض الإيجابيات المتمثلة بكشف الأساليب غير المشروعة للمتلاعبين بالأسود في تدهور العملة، ومنع تدهور العملة بشكل أكبر ولكن من جيب المودع".
الأسوأ من كل ذلك أنّ إطلاق المنصة لا يترافق مع حلحلة في المسار الحكومي وخطة اقتصادية أو برنامج مع صندوق النقد، بل على العكس تزداد الأزمة الحكومية تعقيدًّا، وبدل معالجة الإنهيار الحاصل بحكومة قادرة، ها هم يلجأون إلى منصّة، هي لزوم يلزمهم لشراء الوقت الضروري لإنهاء مناكفاتهم وتحصيل مكاسب حزبية، وتمويل معاركهم هذه من ما تبقى من أموال المودعين.