سألت صحيفة "The Telegraph" البريطانية "هل سيؤدي سقوط الأسد إلى المزيد من تمزيق سوريا؟ وما هي العواقب الأوسع نطاقًا على الشرق الأوسط؟ أولاً، من المهم التعرف على الديناميكيات الحقيقية وراء هذه الموجة الجيوسياسية الصادمة. يلقي المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي باللوم على الولايات المتحدة وإسرائيل في الإطاحة ببشار الأسد. والواقع أن الرئيس الأميركي جو بايدن أشار بفخر إلى أن الفضل يعود له في ما حدث في سوريا. ربما يكون هذا رائعًا لإرثه، لكنه بعيد كل البعد عن الحقيقة. في الواقع، حاول بايدن عرقلة الحملة الحاسمة التي شنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد إيران ووكلائها، وخاصة حزب الله،والتي كانت مسؤولة بشكل مباشر عن سقوط الأسد".
وبحسب الصحيفة، "إن تركيا هي "شريك" إسرائيل في الإطاحة بالأسد، وليس الولايات المتحدة. ولا نستطيع إلا أن نتكهن ما إذا كان هناك أي تنسيق بين البلدين، ولكن الرئيس رجب طيب أردوغان هو الذي أطلق العنان لهيئة تحرير الشام، التي ترعاها تركيا مع قطر، لقيادة الحملة على دمشق. إن مستقبل سوريا سوف يتأثر بإسرائيل وتركيا أكثر من أي قوى أخرى. إن البلدين بعيدان كل البعد عن الصداقة، ولكن لكل منهما مصالح أمنية وطنية في سوريا. فإلى حين أمر نتنياهو بتحطيم المعدات العسكرية السورية الأسبوع الماضي، كانت البلاد لعقود من الزمن تمثل أعظم تهديد تقليدي مباشر لإسرائيل. وبفضل الأسد، كانت سوريا أيضًا طريق الإمداد الرئيسي من إيران إلى حزب الله في لبنان".
وتابعت الصحيفة، "على عكس نتنياهو، فإن أردوغان لديه مخططات أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، بما في ذلك، إحياء الخلافة العثمانية. كما ولديه علاقات وثيقة مع قطر والجماعات الجهادية السُنّية في المنطقة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، والتي قد تنجذب الآن بشكل أكبر نحو أنقرة مع تراجع إيران، وهو ما يشكل تهديدا متزايدا لإسرائيل والعديد من الدول العربية مع تعزيز قوته الإقليمية. والأمر الأكثر إلحاحا أن 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا يشكلون مشكلة سياسية بالنسبة لأردوغان، وهو يريد إعادتهم إلى ديارهم، ولكن أولويته القصوى هي إنهاء فكرة إقامة منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي في شمال سوريا، والتي يراها تهديدا مباشرا لتركيا نظرا للضغوط التي تتعرض لها بسبب الانفصالية الكردية في بلاده. وهناك مؤشرات الآن على أن أردوغان يستعد لشن هجوم كبير ضد الأكراد السوريين".
وأضافت الصحيفة، "لكن على الرغم من أهمية الأكراد، فهم مجرد جزء من خليط عرقي ديني معقد من التنافس والعداء المميت في كثير من الأحيان، والذي يشمل السنة والشيعة والعلويين والدروز والمسيحيين. ومن غير المرجح أن يتمكن زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع من إعادة توحيد بلد ممزق منذ فترة طويلة . وقد تتحرك تركيا لسحق قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد. ومن المؤكد أنهم سيقاومون، لكن مستقبلهم سيكون موضع شك أكبر إذا نفذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته الواضحة بسحب القوات الأميركية من شمال سوريا التي تحالفوا معها. وكانت قوات سوريا الديمقراطية مسؤولة بشكل أساسي عن تدمير خلافة الدولة الإسلامية في سوريا. وفي قتالها ضد تركيا من أجل بقائها، فلن يكون لديها القدرة على مواجهة داعش، التي قد تظهر مرة أخرى بقوة أكبر".
وبحسب الصحيفة، "لقد حافظت روسيا، مع إيران، على دعم الأسد، ولكنها الآن في عملية إعادة تشغيل قسرية لاستراتيجيتها في سوريا. ويبدو من غير المرجح أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وضع يسمح له بمساعدة حلفائه العلويين في حماية أنفسهم إذا تعرضوا للهجوم. لقد انسحبت إيران، ولكنها لن تتخلى عن مخططاتها الخبيثة لسوريا على الرغم من هذه النكسة الكارثية. فلقد تجنبت طهران حتى الآن الانتقادات المباشرة لهيئة تحرير الشام وربما تسعى إلى تنمية علاقة طويلة الأجل أو تحويل الجهود إلى زعزعة استقرار الحكومة الجديدة. ولا شيء من هذا يتجاوز المؤامرات الساخرة التي ينفذها آيات الله. إذاً، ما هي العواقب المحتملة لانتقال الأسد غير الطوعي إلى روسيا؟"
رأت الصحيفة أن "جماعات المعارضة الإسلامية في الأردن قد تستلهم من استيلاء الشرع على السلطة. ومن الممكن أيضا أن تضع هيئة تحرير الشام وغيرها من الجهاديين في سوريا أنظارهم على المملكة الهاشمية. وهدفهم هو التطرف الإسلامي في بلاد الشام. ورغم أن هذا الهدف قد يكون معطلا مؤقتا، ومع انشغال المجموعة بشكل كامل بمحاولة إظهار قوتها في سوريا، فمن المرجح أن يعود هذا الطموح إلى الواجهة مع مرور الوقت. ولا تنتهي مشاكل عمان عند هذا الحد. فقد عملت إيران لفترة طويلة على زعزعة استقرار الأردن، وبعد خسارة سوريا سوف يصبح هذا الأمر الآن أولوية بالنسبة لها. ولكل من إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة مصالح راسخة في استقرار الأردن. وكانت إسرائيل على وجه الخصوص بمثابة طوق النجاة للبلاد".
وبحسب الصحيفة، "في حين تتطلع إيران إلى إسقاط الملك، أصبح آيات الله أنفسهم أكثر عرضة للخطر. وكان أحد العوامل الرئيسية الرادعة للانتفاضة ضد النظام هو الحرب الأهلية الدموية التي استمرت 14 عامًا في سوريا، والتي أودت بحياة مئات الآلاف. وقد تكتسب المعارضة في إيران الآن الجرأة بسبب مزيج من ضعف طهران على أيدي إسرائيل وإلهام ثورة غير دموية تقريبًا في سوريا. وإذا سمحت إدارة ترامب القادمة لإسرائيل بتدمير البرنامج النووي الإيراني في الأشهر المقبلة، فقد يصبح ذلك نقطة التحول التي تؤدي إلى تغيير النظام في طهران. ومثل سقوط الأسد، فإن نهاية آيات الله ستكون مكسبًا صافيًا لأمن الشرق الأوسط. لكن صعود أردوغان، بأجندته الإسلامية الخاصة، قد يتطور إلى التحدي الرئيسي التالي لهذه المنطقة المضطربة".