كسر اللقاء بين البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ووفد من "حزب الله" برئاسة السيّد ابراهيم أمين السيّد زار الصرح البطريركيّ قبل يومين، الفتور في العلاقة بين بكركي والضاحيّة الجنوبيّة، وشكل إشارة إلى أنّ التواصل المباشر عاد بين البطريركيّة المارونيّة وقيادة "الحزب" بعدما كان يتمّ عبر وسطاء في الأشهر الماضيّة.
ورغم أنّ هذا الإجتماع جاء بعد خضّات كثيرة طرأت على العلاقة بين الراعي و"حزب الله"، وخصوصاً بعد قضيّة المطران موسى الحاج وطرح موضوعيّ الحياد والسلاح غير الشرعيّ الذي يُعتبر مقدساً بالنسبة لـ"المقاومة"، ترى أوساط سياسيّة أنّ هناك خلافات جوهريّة لا تزال عالقة بين بكركي والضاحيّة الجنوبيّة، وأبرزها إستحقاق رئاسة الجمهوريّة وقرار الحرب والسلم والتدخّل في شؤون البلاد الصديقة.
ففي الملف الرئاسيّ، يلفت مراقبون إلى أنّ السيّد خرج بعد لقائه الراعي ليُعيد التشديد على أهميّة الحوار لانتخاب رئيس الجمهوريّة، فيما وجهة نظر بكركي مطابقة للنواب الذين يُصوّتون لرئيس "حركة الإستقلال" النائب ميشال معوّض، والمتمثّلة بإنجاز الإنتخابات عبر الإقتراع بديمقراطيّة وبممارسة النواب لحقّهم الدستوريّ القائم على التصويت بدل تطيير النصاب لجرّ البلاد إلى الفراغٍ، ريثما يتأمّن التوافق على شخصيّة جامعة تنال رضى "الثنائيّ الشيعيّ" وأغلبيّة الكتل النيابيّة.
وفي هذا السيّاق، يُشير مراقبون إلى أنّ البطريرك الراعي لا يُحبّذ أنّ يكون الحوار طريقاً دائماً لحلّ مشكلة إنتخابات رئاسة الجمهوريّة، لكنّهم يرون أنّه أمام التوزيع النيابيّ الجديد يستحيل إنتخاب رئيسٍ، فحتّى ضمن الفريق الواحد هناك إنقسامٌ على التصويت لمرشّحٍ أو الذهاب للحوار. ويُردف المراقبون أنّ بكركي لم تدعُ حتّى اللحظة لحوارٍ مسيحيّ لترك المجال أمام النواب للقيام بواجبهم في البرلمان، وان الراعي حمّل في العديد من عظاته مسؤوليّة تعطيل الإنتخابات للذين يُطيّرون النصاب ويجرّون البلاد إلى الفراغ. في المقابل، يعتبر المراقبون أنّ الراعي قادر على أنّ يُسهّل مهمّة رئيس مجلس النواب نبيه برّي عبر حثّ رؤساء الكتل المسيحيّة وأبرزها "الجمهوريّة القويّة" و"لبنان القويّ" على تلبيّة الدعوة للحوار، من باب أنّ التأخير في إنجاز الإستحقاق الرئاسيّ يضرّ في المقام الأوّل بالمسيحيين.
وأبعد من موضوع الرئاسة، لا يزال الحياد يُشكّل نقطة خلاف كبيرة بين بكركي و"حزب الله". فبالنسبة للراعي، فان الأولوية هي للاحتكام للدولة ومؤسساتها العسكريّة، بينما "الحزب" بحسب مراقبين تعدّى حدود الوطن، وشارك في الحرب السوريّة وغيرها، كما أنّه من خلال تهديده الأخير لإسرائيل في ملف الحدود البحريّة، تحكّم مرّة جديد بقرار الحرب والسلم. من هنا، يُتابع المراقبون أنّ بكركي طالبت بضرورة فصل لبنان عن الصراعات التي تجري خارج حدوده الجغرافيّة، رافضةً السلاح غير الشرعي ومنطق الدويلة.
إضافة إلى ذلك، تمنّى الراعي معالجة معضلة السلاح الخارج عن سيطرة الدولة، لأنّه يُضعف المؤسسات العسكريّة الشرعيّة ويُساهم في جرّ لبنان إلى الحروب في المنطقة ويزيد من عزلة اللبنانيين عن محيطهم العربيّ، فيما هم بأمسّ الحاجة للدور الرياديّ الخليجيّ في الداخل، وخصوصاً في ظلّ الأوضاع الإقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة. ويُذكّر مراقبون أنّ "حزب الله" يرفض فكرة الحياد لأنّ إسرائيل لا تزال تُشكّل خطراً على الإستقرار، كما أنّ سلاح "المقاومة" أثبت أهميّته في ترسيم الحدود البحريّة، ما زاد من التمسّك به لأنّه ضمانة في المحافظة على ثروات لبنان النفطيّة وأمنه، وخصوصاً وأنّ تل أبيب تخرق سيادة البلاد مرّات عدّة يوميّاً، بحراً وجوّاً، ولا تزال بعض الأراضي اللبنانيّة محتلة.
ويرى مراقبون أنّ التناقض لا يزال كبيراً بين "حزب الله" وبكركي، والملفات الدسمة لا تزال تُشكّل نقاط خلافٍ بينهما. ولكنّ، يختم المراقبون أنّ التقارب والإنفتاح بين مكوّنين أساسيين يُعدّ ضمانة لتثبيت العيش المشترك والحفاظ على السلم الأهليّ.