كتبت لينا فخر الدين في "الاخبار": الانتخابات البلدية والاختيارية المقرّرة في أيار المقبل هي في حكم المؤجّلة. هذا ما «تتوافق» عليه غالبية القوى السياسية، من دون أن تجرؤ أيّ منها على الجهر به أو الدعوة إليه أو تبنّيه. غير أن المشكلة لا تكمن في إرجاء الانتخابات فحسب، ولا في التمديد للمجالس القائمة، وإنما في عدم وجود آلية قانونية تغطي التأجيل والتمديد، بسبب صعوبة التئام المجلس النيابي، ما يعني أن المجالس الحالية لن تكون قانونية، وستمارس مهامّها بحكم «الأمر الواقع»أو تسلّمها من قبل القائمّقامين والمحافظين.
بعد الشغور الرئاسي، وتصريف الأعمال الحكوميّ، آخر مظاهر الدولة مهدّد بالزوال.
يطغى سيناريو التأجيل على ما عداه. وهو ما تؤكده غالبية القوى السياسية غير الجاهزة للاستحقاق، لا مادياً ولا شعبياً، ولا تُريد أن «تفتح» هذا «الفتوح» في ظلّ الاحتقان السياسي والنقمة الشعبيّة. وحده حزب القوات اللبنانية «زيّت» محرّكاته على الأرض ويعمل وكأنّ الانتخابات واقعة غداً، لإثبات أنّه القوة المسيحيّة الكبرى. في المقابل: تراجع «العونيون» بعدما كانوا شمّروا عن زنودهم لأن الأمور «ما زالت ضبابيّة» بحسب النائب نقولا صحناوي، وتعمل حركة أمل «على البطيء» لأنّها لا ترى مؤشراً إلى إجراء الانتخابات وفق النائب قبلان قبلان، ولم تتطرق قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الاستحقاق من قريب أو من بعيد، فيما تيّار المستقبل غائبٌ أصلاً، ويرى حزب الله أن حظوظ إجرائها «فيفتي فيفتي»، وفق النائب أمين شري، ويعمل حزب الكتائب «كل يوم بيومه» كما يقول الوزير السابق آلان حكيم، علماً أن الكتائب سبق أن أعلن أن «عدم انتخاب رئيس للجمهورية من شأنه تعطيل الانتخابات البلدية والاختيارية».
بلدية بيروت
تخشى القوى المسيحيّة في بيروت من أن الانتخابات البلدية المقرّرة في أيار المقبل، قد تسفر عن غياب كلي للتمثيل المسيحي عن المجلس البلدي لمدينة بيروت. استنفر ذلك الأحزاب المسيحية التي تتسابق على تقديم اقتراحات قوانين تُراوح بين قوننة عُرف المناصفة (تقدّمت به كتلة «لبنان القوي») وبين أن ينتخب المسلمون المسلمين والمسيحيون المسيحيين (تستعد كتلة «الجمهوريّة القويّة» لتقديمه)... وإلا تقسيم بيروت إلى «بيروتين»، ما يخشى معه من أن يكون بداية تطبيق مشروع الفدرلة الذي لا تخفي قوى كثيرة سعيها إلى تحقيقه.
في عمليّة محاكاة للانتخابات في العاصمة طلبها مسؤولون رسميون أخيراً، كانت النتيجة 22 عضواً بلدياً مسلماً مقابل اثنين مسيحيين فقط. غير أن قياديين في أحزاب مسيحيّة يلفتون إلى أنّ الأمر لا يحتاج إلى دراسات وإحصاءات، وأنّ وصول عضويَن مسيحييَن من أصل 24 «هو أفضل نتيجة قد نتوقّعها، لأنّه على الأرجح لن يصل أي مسيحي إلى المجلس». ويقول عضو تكتل لبنان القوي النائب نقولا صحناوي لـ«الأخبار» إنّ مثل «هذا الموضوع لا يمكن أن يمر مرور الكرام. المناصفة في العاصمة قضيّة كبرى، وفي حال تمّت إطاحتها فلن نستسهل هذا الأمر».
متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة يرفض فكرة التقسيم من أساسها، ويُفضّل تكريس عرف المناصفة بقانونٍ صادر عن مجلس النواب، رغم إدراك عودة أنّ الأمر سيعني في المقابل فقدان الأرثوذكس لما يعتبرونه المركز الأهم للطائفة في الجمهوريّة، أي محافظ بلديّة بيروت الذي أُعطي «مجد» أن يكون السلطة التقريريّة مقابل سلطة تنفيذيّة للمجلس البلدي. على خُطى عودة، تسير الأحزاب المسيحية وتتسابق على تقديم اقتراحات قوانين معجّلة مُكرّرة لقوننة المناصفة. ويقول «القواتيون» إنّهم أعدّوا اقتراحاً لتأمين التمثيل المسيحي في المجلس، وكان النائب غسّان حاصباني يتحضّر لتقديمه إلى المجلس النيابي، إلا أن التيار الوطني الحر «كزّ» الفكرة كما هي وسبقهم بها إلى ساحة النجمة، متخلياً عن اقتراح قانون لاستحداث بلديتين في بيروت كان قد تقدّم به قبل أشهر.
ما يطمح إليه «العونيون» و«القواتيون»، ومعهما «الكتائبيون»، هو الذهاب إلى انتخابات العاصمة على أساس دائرتين، على أن ينتخب أبناء الدائرة الأولى 10 مسيحيين ومسلمَين اثنين، وينتخب أبناء الثانية 10 مسلمين واثنين مسيحييَن.
أمّا في حال عدم تعديل القانون الانتخابي الحالي، فيؤكّد صحناوي أنّه «سيكون لنا موقف كبير نُعلن عنه في وقته». وهذا أيضاً ما يُلمّح إليه الوزير السابق آلان حكيم، بإشارته إلى أنّ لدى «حزب الكتائب توجّهاً، لكنّه لن يُعلن عنه في الوقت الحالي». فيما يؤكد حزب القوات أنّه سيُقدّم اقتراح القانون وسيسعى لإقناع الكتل به «في حال شعرنا أن هناك جديّة في إجراء الانتخابات، لأنّه حتى الآن لا إشارات واضحة إلى ذلك».
على الضفة المقابلة، لا يبدو أن أياً من الأحزاب الأخرى مستعدّ لتحمّل تبعات انتخابات مجلس بلدي من دون مسيحيين. الثنائي الشيعي لا يزال يستطلع الأوضاع. لا يجهر نوابه برفض اقتراح قانون «لبنان القوي» بالمطلق، لكنهم يشدّدون في المقابل على رفض أي صيغة ترمي إلى «فدرلة» بلديّة العاصمة «كي لا يكون ذلك مدخلاً إلى تقسيم لبنان».