يبدو أنّ أبرز حلّ للأزمة الرئاسيّة، أنّ يجلس كافة الاطراف حول طاولة حوار، والتفاهم في ما بينهم على إسم الرئيس المقبل. هذا الطرح منطقيّ، لكنّ في الشكل هناك مشكلات كثيرة تحول دون حصوله، ولعلّ أبرزها رفض المعارضة الجلوس مع "الثنائيّ الشيعيّ"، ومطالبتها بجلسات مفتوحة لانهاء الشغور الرئاسيّ، وأيضاً، لأنّ "حزب الله" لا يزال يعتبر أنّ المرشّح الأوفر حظاً هو الوزير والنائب السابق سليمان فرنجيّة، ويصرّ على أنّه شخصيّة جامعة، ويتوجب التوافق عليها.
وتقول أوساط معارضة إنّها لا ترفض الحوار بالمطلق، وإنّما كيفيّة طرحه في ظلّ الظروف التي تمرّ فيها البلاد سياسيّاً واقتصاديّاً. وتُشير إلى أنّ أولى العقبات التي تقف أمام أيّ دعوة هي إستمرار "حزب الله" بدعم فرنجيّة، ورغبته بفرضه على الآخرين إنّ اجتمع الجميع حول طاولة الحوار. وتُؤكّد أنّها مستعدّة للتنازل عن الوزير السابق جهاد أزعور، إنّ تخلّى "الثنائيّ الشيعيّ" عن مرشّحه، وتشدّد على أنّ هذه الخطوة هي مقدمة للبحث عن أسماء وسطيّة أخرى، واختيار أحدها.
وفي هذا السيّاق، هناك معضلة مهمّة ثانيّة تُواجه إنعقاد الحوار، في لبنان أو في الخارج، إذ إنّه يتمّ الحديث عن أنّ فرنسا تعمل على جمع كافة الأطراف للخروج بنتائج إيجابيّة، وهذه المشكلة تتمثّل في رغبة "حزب الله" بطرح موضوعٍ حساس بالنسبة إليه، وهو سلاح "المقاومة"، علماً أنّ المعارضة تهدف من خلال منع حارة حريك من إيصال فرنجيّة، إلى قطع الطريق أمام سياسات "الحزب" التي تتخطّى حدود البلاد، مع التشديد على عودة قرار الحرب والسلم إلى الدولة، وحصر السلاح بالجيش والقوى الأمنيّة الشرعيّة المولجة حماية اللبنانيين.
إلى ذلك، فإنّ هناك رغبة ليس فقط عند "الثنائيّ الشيعيّ" بمناقشة برنامج عمل الرئيس المقبل، وإنّما لدى "التيّار الوطنيّ الحرّ" أيضاً، إذ يُريد الأخير أنّ يضمن إستمراريّته خلال السنوات الستّ المقبلة، في مواقع القرار البارزة وفي المؤسسات الرسميّة والقضائيّة والعسكريّة، بينما المعارضة شرطها الأوّل والأخير هو التحاور فقط حول الموضوع الرئاسيّ، من دون إدخال أيّ بنود متفجّرة أو مختلف عليها، لأنّها تعتبر أنّ هذه وظيفة مجلس الوزراء والمجلس النيابيّ.
من هنا، يرى المراقبون أنّ برنامج طاولة الحوار هو من سيُحدّد نجاحه أو فشله، ويلفتون إلى أنّ كلّ ما يصدر عن مسؤولي "حزب الله" وخصوصاً عبر دعم فرنجيّة، المُراد منه التوافق على شرعيّة سلاحه وحقّ مقاومة العدوّ الإسرائيليّ، وتأمين البيئة الحاضنة لهذه المسألتين، التي يُمكن أنّ تصل لاحقاً إلى مباركة تدخّل "الحزب" في شؤون بلدان أخرى عسكريّاً وسياسيّاً.
وفي الإطار عينه، لا تتوقع الأوساط المعارضة أنّ يحترم "حزب الله" ما سيتّفق عليه المجتمعون، وتُذكّر بأنّه خرج عن "إعلان بعبدا" الشهير في الماضي، وضرب مبدأ الحياد، وأخذ لبنان إلى مواجهات مع الدول العربيّة والخليجيّة الصديقة، عبر التدخّل مباشرة في حرب اليمن والعراق وسوريا، واستمراره بالتلويح بالتصعيد مع العدوّ جنوباً.
ويتّضح أنّ أبرز عقدة هي فقدان الثقة بين المعارضة وفريق "الممانعة"، وحتّى مع "التيّار الوطنيّ الحرّ"، لأنّ "القوّات" غير راغبة بالتوافق مع النائب جبران باسيل، وتتّهمه بأنّه مسؤول عن نسف "إتّفاق معراب"، بعدما خرج عنه، وأقصاها من التعيينات والمحاصصة المسيحيّة.
ويقول مراقبون إنّه لو لم تنجح المساعي بعقد الحوار، فإنّ الأزمة الرئاسيّة ستُراوح مكانها، لأنّ "حزب الله" يشترط قبل أيّ شيء، أنّ يتحاور الجميع مع بعضهم. في المقابل، فإنّ المعارضة وعلى رأسها "القوّات" لا تُؤمن بالحوار لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، وإنّما تطالب بإجراء دورات متتاليّة تُفضي إلى وصول أحد المرشّحين المطروحين إلى الـ65 صوتاً.
وبعد 8 أشهر على دخول البلاد في الفراغ، يبدو أنّ طرح المرشّحين الحاليين، إضافة إلى الشروط التي يضعها كلّ فريقٍ، تُصعّب الوصول إلى توافقٍ في المدى القريب، ما يضع العقبات أيضاً أمام أيّ مبادرة فرنسيّة أو خارجيّة، في الوقت الذي تقترب فيه البلاد من شغورٍ في موقع حاكميّة مصرف لبنان، الذي يعتبره متابعون أنّه أخطر من غياب رئيسٍ للجمهوريّة، لأنّه يضرّ بالسياسة الماليّة والنقديّة، وقد تتأزم الأوضاع الإقتصاديّة أكثر، وسط الخشية من إنفجار الشارع من جديد.