في الوقت الضائع والخطير الذي يعيشه لبنان منذ ما قبل أربع سنوات على الأقل، وفيما يتلهى المسؤولون فيه بتحديد "جنس" الرئيس العتيد وطاولات الحوار غير المجدية في هذا الوقت بالذات، صوّت البرلمان الأوروبي بغالبية ساحقة على قرار يدعم بقاء النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية.
هذا القرار غير المفاجئ، وإن كان يشكل توقيته أكثر من مفاجأة بالنسبة إلى جميع اللبنانيين من دون استثناء، أدخل البلاد في أزمة جديدة - قديمة. فبدلًا من أن يتدّخل هذا البرلمان لمدّ يد المساعدة لهذا البلد، الذي ينوء تحت أثقال الأزمات المتراكمة، والتي يفوق ثقلها ثقل الجبال، أتى هذا التصويت بمثابة الضربة القاضية لإمكانية قيام لبنان من تحت ردم أزماته المتوالدة مع كل اشراقة شمس.
فهل تعي أوروبا ماذا يعني أن يبقى مليونا نازح سوري على الأراضي اللبنانية، أي ما نسبته أربعون في المئة من عدد سكان لبنان، وبهذا الشكل الفوضوي، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة سوف تفاجىء الأوروبيين، الذين لا همّ لهم سوى أن يبقى هؤلاء النازحون حيث هم، وألا يتمكنوا من التسلل إلى الشواطئ الأوروبية.
فقد لفت البرلمان الأوروبي إلى ما سمّاه "عدم تلبية الشروط للعودة الطوعية والكريمة للاجئين في المناطق المعرضة للصراع في سوريا". وشدّد على الحاجة إلى "توفير تمويل كافٍ للوكالات التي تعمل مع اللاجئين من أجل ضمان الخدمات الأساسية كاملة لمخيمات اللاجئين في البلاد"، داعياً المفوضية العليا للاجئين إلى العمل على "تحسين الوضع الإنساني في سوريا من أجل معالجة الأسباب الجذرية لأزمة اللاجئين". ورأى أنّ "عودة اللاجئين يجب أن تكون طوعية وكريمة وآمنة، وفقاً للمعايير الدولية"، وحضّ على "استمرار تقديم المساعدات الإنسانية للسكان اللبنانيين واللاجئين، مع ضوابط صارمة؛ وعلى انضمام لبنان إلى اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967". وطالب بتشكيل فريق عمل دولي بمشاركة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والسلطات اللبنانية لمعالجة قضية اللاجئين، معرباً عن "قلقه من تصاعد الخطاب المناهض للاجئين من قبل الأحزاب السياسية والوزراء اللبنانيين". كذلك حضّ لبنان، في حال اتخاذ أي إجراء في شأن الهجرة، على "الامتناع عن الترحيل وفرض إجراءات تمييزية والتحريض على الكراهية ضد اللاجئين السوريين".
فأقل ما يمكن أن يُقال في هذا القرار إنه زرع قنابل موقوتة لن تلبث أن تنفجر في وجوه واضعيها أولًا، وفي وجوه اللبنانيين، الذين يرفضون هذا الواقع، ولن يقبلوا في أي شكل من الأشكال التأقلم مع ما تحاول أوروبا فرضه عليهم كأمر واقع، وهم الذين يعانون ما لم يعانه شعب آخر نتيجة الاحتلالات المقنعة، التي توالت عليهم، والتي أدّت في الماضي إلى حروب لا تزال أثارها ظاهرة على مناحي حياة اللبنانيين، والتي قد تنشب في المستقبل نتيجة هذا القرار غير الواقعي وغير المدروس، والذي حاول معالجة النتائج وإغفال معالجة الأسباب.
فهذا القرار "الهمايوني" سيلاقي رفضًا لبنانيًا جامعًا، أقّله على المستوى الشعبي، الذي سيتوحدّ حول فكرة عدم الرضوخ لمثل هكذا قرار يعرف سلفًا أنه مشروع حرب جديدة قد تكون نتائجها كارثية هذه المرّة أكثر من المرّات السابقة، وسيكون لارتداداتها مضاعفات خطيرة على الدول الأوروبية، التي ستجد نفسها أمام أزمة وجودية مزدوجة أولًا بالنسبة إلى النازحين السوريين، الذين قيل لهم، وبكل وقاحة، إن العودة إلى بلادهم قد أصبحت حلمًا لن يتحقّق، وبالنسبة إلى اللبنانيين ثانيًا، الذين قيل لهم أن ما لكم هو لكم ولغيركم، وما عليكم سوى أن تتعايشوا مع هذا الواقع مع ما فيه من مآسٍ وويلات، وهو مشروع مقونن لتشجيع الهجرة اللبنانية إلى الخارج، بحيث يصبح لبنان مشروع وطن بديل، قسم منه للسوريين النازحين، وقسم آخر للفلسطينيين اللاجئين.
فهل بهذه الطريقة تكون أوروبا قد قدّمت حلًا، أم تكون قد أسّست لمشاكل أكبر وأخطر مما تعتقده، وهي ستجد نفسها أمام أزمة كبيرة وخطيرة عندما ستضطر إلى منع تدفق النازحين السوريين إلى دولها الواقعة على المتوسط، وذلك بعد غض نظر السلطات اللبنانية عن تنظيم عمليات الهجرة غير الشرعية؟