بالرغم من ان المظلة التي يعمل تحتها جميع المبعوثين الدوليين الى لبنان هي مظلة الانتخابات الرئاسية وضرورة اجرائها من دون تأخير وانهاء الفراغ الحاصل في المؤسسات، الا ان الاتصالات التي بدأتها قطر وفرنسا في لبنان تهدف الى تحقيق سلسلة كبيرة من الأهداف الداخلية والاقليمية وحتى الذاتية المصلحية، ليبقى الاستحقاق الرئاسي عملياً مؤجلا بقناعة مطلقة حتى من القوى الاقليمية المعنية بالملف.
تسعى فرنسا الى تحقيق عدة اهداف من حراكها المستجد في لبنان، فهي اولا، ترغب في اعادة اصلاح ما تم افساده مع "حزب الله"، اذ ان باريس لديها قناعة بأن العمل داخل الملف اللبناني من دون تنسيق مع الحزب سيكون مستحيلا ووهما، وعليه تعمل فرنسا وان بطريقة غير مباشرة على اعادة تحسين علاقتها مع الحزب بعد مواقفها المؤيدة لاسرائيل منذ بداية حرب غزة.
اما الهدف الفرنسي الثاني فهو اثبات حضورها في الشرق الاوسط في ظل التحولات الكبرى التي قد تكون تحدث في المرحلة المقبلة، اما الهدف الثالث فهو عمليا عدم تسهيل تحقيق الاهداف القطرية في الداخل اللبنانية، وتحديدا لناحية ايصال هذا الاسم او ذاك للرئاسة، اذ ان باريس لديها رؤيتها التي لا تتطابق مع الرؤية التي تسوقها الدوحة بإسم " اللجنة الخماسية" الدولية.
واخيرا، يبدو ان المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان ينقل رسائل فرنسية للحزب تتوافق بالكامل مع الرغبة الاميركية بعدم إشعال جبهة الجنوب بالكامل، وعليه فإن باريس، تسعى في حضورها لبنانيا، لأن تكون دولة مؤثرة بشكل جدي بالتسوية المقبلة، كي لا تؤدي التطورات المتسارعة الى تسوية بين الاطراف الإقليمية الاساسية اضافة الى الولايات المتحدة الاميركية من دون ان يكون لفرنسا اي دور..
اما الدوحة التي تعمل بأسلوب اكثر هدوءاً من باريس، فتحاول اعادة تركيب المشهد اللبناني وجس النبض لدى القوى السياسية لمعرفة إمكانية حصول تنازلات في اي استحقاق من الاستحقاقات المطروحة، لذلك فإن العمل اليوم يتركز على توسيع هامش التشاور مع المعنيين اولا، وثانيا فتح ملف قيادة الجيش ومنع حصول تدهور حقيقي يؤدي الى قيام تحالف "الثامن من اذار" بتعيين قائد جديد من دون مراعاة الأميركيين في هذه اللحظة التي تنشغل فيها واشنطن بحرب اسرائيل.
سيستمر الحراك الديبلوماسي في لبنان الى حين اندلاع المعارك مجددا في قطاع غزة وجنوب لبنان، اذ ان انفجار الوضع العسكري سيؤدي حتما الى جمود كامل داخل لبنان، لكن بقاء حجم التصعيد كما كان عليه امس، قد يؤدي الى تطبع المعنيين مع المعارك وتحقيق خرق سياسي ما في لحظة انشغال دولي واقليمي..