من تسنّى له أن يستمع إلى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل يتحدّث عن قائد الجيش العماد جوزاف عون بهذه الطريقة لم يستغرب ما سمعه، خصوصًا أنه أوحى للسامعين بكلام لا يرقى إلى الحدّ الأدنى من المستوى الأخلاقي، الذي كان سائدًا في زمن الكبار حتى في عزّ الخصومة وشراسة الحرب، إلاّ إذا كان "القائد قاتلو بيّو". ولكن حقيقة الأمور ليست كما حاول رئيس ثاني أكبر تكتل نيابي، حتى أن عددًا من المقربين منه لاموه على كلامه، الذي تناول فيه بالشخصي قائد المؤسسة الوحيدة الباقية واقفة على رجليها على رغم كل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي مرّت بها ولا تزال.
وبغض النظر عن كلام باسيل عن "قلة الوفاء"، من دون أن نفهم إذا ما كانت هذه "القّلة" هي لأن العماد عون رفض أن يكون مطواعًا، أم هي لأنه لم يكن وفيًا لقسمه العسكري، فإن ما تكّشف لكثيرين ممن يعرفون ما وراء الأكمة من أسرار قد تغيب تفاصيلها لدى البعض هو أن قائد الجيش هو العقدة الحقيقية والوحيدة لمن لم يقتنع بعد أن أبواب بعبدا لن تفتح أمامه، حتى لو "طبّقت السما على الأرض". القصة إذًا ليست قصة "تمديد لشخص قائد الجيش". ولو كانت كذلك لكان في استطاعته بما لديه من ثقل نيابي ومن "مونة" على بعض الحلفاء أن يقاطع الجلسة وأن يذهب إلى المجلس الدستوري ليطعن به طالما يرى هذا التمديد مخالفًا للقوانين والدستور. هذا من حقّه ومن حقّ كل نائب حتى ولو لم يكن يترأس كتلة نيابية بحجم كتلة "لبنان القوي".
فحجج جبران لم تقلِ عجّة التعطيل هذه المرّة، ولم تقنع الذين يعرفون أن هذا التمديد تمليه اليوم ظروف قاهرة وغير استثنائية وليس كما التمديدات الأخرى، والتي كان فيها النائب باسيل مشاركًا في السلطة يوم مُدّد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولم نسمع يومها كلامًا كالذي سمعناه أول من أمس في حق ضابط يشهد له جميع الذين يعرفونه أنه من بين الضباط المشهود لهم وفاؤهم لقسمهم العسكري.
فالقصّة ليست قصة تمديد، بل هي قصّة مزيد من القلق لدى باسيل مما هو آتٍ. وما هو آتٍ له علاقة بالاستحقاق الرئاسي وليس بأي شيء آخر. وإذا كان لا بدّ من طرح سؤال على رئيس "التيار" في هذا الوقت الحرج فلا يوجد لدى اللبنانيين سوى سؤال واحد لا غير: لماذا هذا الإصرار على عدم التمديد للعماد عون، وما هي الأسباب التي تستدعي كل هذا "الاستنفار"، ولماذا هذا الكمّ من الحقد الشخصي على قائد يلقى كل هذا الاحترام من قِبل الكثيرين من اللبنانيين، الذين يعتبرون أن الوقت ليس لتصفية الحسابات الشخصية. فالوطن بخطر داهم، وهو يعيش أشدّ أيامه قلقًا على المصير، فيما تبقى العيون شاخصة على المؤسسة العسكرية، وعلى ما يمكن أن يكون عليه دورها مستقبلًا للحفاظ على أمنهم واستقرارهم وحمايتهم من أي عدوان أو اعتداء.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن أغلبية اللبنانيين، وبالأخص المسيحيين منهم، باتوا مقتنعين بما يكرّره الرئيس نبيه بري، حين يقول إن أصل المشكلة، وقصده المشكلة الرئاسية وما يتفرّع عنها من مشاكل أخرى، تكمن في الخلاف المسيحي – المسيحي، أو بالأحرى الخلاف الماروني – الماروني. وهذا ما تشهده هذه الأيام، إذ بلغت الحملات المتبادلة بين باسيل والدكتور سمير جعجع حدّا غير مسبوق يعكس مدى المأزق السياسي الذي وصلت إليه القوى المسيحية.
فالتمديد أو تأجيل التسريح للعماد عون حاصل، سواء أكان في مجلس النواب أو عبر الحكومة بغض النظر عن الكلام غير المستند إلى حقائق دستورية بالنسبة إلى إمكانية الطعن بهذا القرار في المجلس الدستوري، باعتبار أن المصلحة الوطنية ووحدة المؤسسة العسكرية هما فوق أي اعتبار آخر. وقد قال وليد جنبلاط كلامًا حقًّا في هذا المجال عندما وصف هذه المحاولات بـ "المزحة السمجة".