العام 2023 كان مفصلياً بالنسبة لـ"حزب الله" باعتبار أنَّ الأخير شهد إستحقاقات عديدة طرأت على مساره وظروفه العسكرية والسياسيّة.
القراءةُ الواقعيّة لما مرّ به الحزب تستوجبُ التأمل بما سيجري بعد ذلك، في حين أنَّ الأمر الأهم يرتبطُ بـ"المراجعة النقدية" التي يجدرُ على الحزب أن يقوم بها، سواء لسلوكه وأدائه أو لتحالفاته السياسيّة.
ماذا شهد "حزب الله" خلال الـ2023؟
تقلبات إستحقاق رئاسة الجمهورية
خلال العام 2023، كان الحزبُ على موعدٍ مع تقلبات كثيرة شهدها إستحقاق رئاسة الجمهورية. خلال الأشهر الماضية، كانت الضاحية الجنوبيّة متمسكة بمضمون ترشيح رئيس "تيار المرده" سليمان فرنجية للرئاسة، والأمرُ هذا ما زال قائماً حتى الآن رغم الكثير من الضغوطات أو المحاولات التي تطمح الى حصول سيناريو معاكس لما يريده الحزب.
الأساس في هذا التمسّك فرض نفسه واقعاً على المشهد السياسيّ، فالحزبُ طالب بحوار لم تستسغ بعض الأطراف إمكانية حصوله في ظل تشبث الحزب برؤيته الخاصة بفرنجية. في الوقت نفسه، كانت هناك مساعٍ عديدة لدفع الحزب بإتجاه خيارات أخرى من أجل وصولها إلى بعبدا، أبرزها قائد الجيش العماد جوزاف عون.
ما يجري على صعيد الرئاسة اقترنَ تماماً بمطبات كثيرة وتّرت علاقة الحزب مع حلفائه، وهذا الأمر انسحب على قضايا سياسية أخرى. وعليه، فإنّ ملفاً واحداً أسس لأمورٍ أخرى جعلت الحزب مطوقاً في تواصله مع الآخرين وفي قدرته على التوافق معهم، وأبرز مثال على ذلك مسألة التمديد للقادة الأمنيين خلال الشهر الجاري. في الأساس، لا يعارض الحزب ما حصل في مجلس النواب، لكن في الوقت نفسه أراد أن يحفظ علاقته مع حليفه "التيار الوطني الحر" بالإطار الشكلي، لاسيما أن الأخير عارض التمديد بكافة مندرجاتِه.
أحداث الجنوب
العام 2023 شكّل انعطافة مهمة جداً على الصعيد العسكري بالنسبة لـ"حزب الله". منذ العام 2006، لم يخُض الأخيرُ حرباً في لبنان ضد إسرائيل، وذلك بمعزلٍ عن المناوشات التي كانت تحصل سابقاً عند الحدود.
وجدَ الحزب نفسه مُحاطاً بـ"خطر الحرب" في جنوب لبنان بعد عملية "طوفان الأقصى" التي شهدها قطاع غزة يوم 7 تشرين الأول الماضي. منذ ذلك الحين، انتقل الحزبُ من مرحلة السلم إلى مرحلة الحرب بشكلٍ مفاجئ، فدخل في مواجهات مباشرة مع إسرائيل، حتى أنه تكبد أكثر من 100 شهيد، فضلاً عن تحول الجنوب إلى منطقة خطيرة على المدنيين.
صحيحٌ أنّ المواجهات في الجنوب ليست عادية وترافقت مع سيناريوهات سيئة، لكن "حزب الله" يرزحُ الآن تحت اختباراتٍ جدية أبرزها مدى تمكنه من إبقاء السيطرة على مسار المعارك الحالية تحت سقف الحرب. المسألة هنا ليست سهلة وتتطلبُ جهداً كبيراً، علماً أن الخسائر التي مُني بها الحزب كثيرة ميدانياً وعسكرياً، وتستوجب إعادة ترميمٍ للمسارات التي اتخذها.
بكل واقعية، شكلت العمليات التي يخوضها الحزب نقلة نوعية في مسار أدائه، فهو اختبرَ مواجهات من نوعٍ جديد.. الحزبُ هذه المرة خسر عنصر المفاجأة الذي يعد من أهم أدواته ضد الإسرائيليين.. هناك مأزقٌ كبير في هذا الأمر، كما أن مخططاته العسكرية الموسعة المرتبطة بإقتحام فلسطين المحتلة تأجلت ومن الممكن أن تكون قد ألغيت بسبب إصرار إسرائيل على تغيير الواقع عند الحدود مع لبنان وسط حشدها قوات عسكرية هائلة هناك.
الأمر الأكثر ضغطاً هنا يرتبط بما يُحكى عن إمكانية إقامة منطقة عازلة أو السعي لإقناع "حزب الله" بالإبتعاد عن الحدود إلى ما وراء شمال الليطاني. المطلبُ هذا يعدّ أيضاً من المسائل الشائكة جداً بالنسبة للحزب، والتساؤل الأكبر يرتبطُ بما قد سيفعله الأخير لاحقاً في حال فُرضت أمورٌ رغماً عن إرادته الميدانية والعسكرية لتغيير الواقع الحالي.
ما يمكن إستنتاجه أمام كل ذلك هو أنّ الذي يمرّ به الحزب ليس سهلاً ، والعام 2023 قدّم له نموذجاً جديداً من المعارك ينبغي أن يُدرّس في دوائره العسكرية وأجهزته التنظيمية، باعتبار أن ما يحدث يُحتم النظر في حيثياته وتفاصيله وأثاره ونتائجه.
"مراجعة أمنية"
الأحداث المختلفة بما فيها ما يجري في الجنوب باتت تُحتم على الحزب القيام بنظرةٍ أمنية عميقة لواقعه. فعلياً، فإن إسرائيل لن توفر الحزب من خروقاتها، وآخرُ كلامٍ من الأخير بشأن قيام إسرائيل باختراق كاميرات المراقبة في الجنوب من أجل رصد عناصر الحزب، يعتبر إعلاناً عن وجود ثغرات إستخباراتية خطيرة تؤثر على الحزب أمنياً وعسكرياً.
إضافة إلى كل ذلك، فإنّ مسألة الجواسيس في الجنوب تعدُّ أمراً أساسياً يؤرق الحزب بشدّة، وبسببه هؤلاء كان المقاتلون على الجبهة الجنوبية في خطرٍ داهم وكبير.
وعليه، فإنه من المفترض أن يحمل العام الجديد خطوة مهمة وأساسية على الصعيد الأمني للحزب باعتبار أن الخروقات التي حصلت ليس سهلة، وتؤدي إلى انكشافِ قاعدة أمنية متينة تميز بها الحزب طوال السنوات الماضية.
العلاقة مع "التيار الوطني الحر"
حتى الآن، ورغم التقارب الذي يحصل بين الحين والآخر بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" بعد موجات "الإنفصال" غير المكتملة منذ إنتهاء عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون أواخر العام 2022، يبقى الحزب أمام معضلة تتسم في القدرة على ضبط العلاقة مع حليفه المسيحي الأساس من دون أن يكسرها.
طوال الفترة الماضية، سعى الطرفان للتلاقي على ملفات أساسية والبحث في قضايا أساسية مثل "اللامركزية الموسعة" و"الصندوق السيادي". وإلى هذه اللحظة، ما من تقدّم واضح، حتى أن الطرفين لا يتحدثان حالياً عن أي مُعطيات تمهد لإتفاق باعتبار أن أحداث الجنوب القائمة أخرت أي أمرٍ من هذا القبيل وتصدّرت كل الأولويّات.
ولكن، بأي حال من الأحوال، كان العام 2023 بمثابة إشارة مهمة لـ"حزب الله" يمكن من خلالها اكتشاف أداء حلفائه عند المفاصل الصعبة. بالنسبة لـ"التيار"، كان إستحقاق رئاسة الجمهورية الشعرة التي يمكن أن تجعل العلاقة مع الحزب منعدمة، لكن ما حصل هو أن بعض الأمور الطارئة جمعت الطرفين مُجدداً على نقاط مشتركة، وقد يكون ما يجري في الجنوب أساس هذا الإلتقاء الجديد، وإلا فإن الأمور كانت ستبقى عالقة وبالتالي سيبقى "الفتور" مستمراً.
أمام كل ما تقدّم، يجدر القول إنّ العلاقة بين "الحزب" و "التيار" تحتاجُ إلى مراجعة نقدية، علماً أن هذا الأمر يجب أن ينسحب على كافة حلفاء الحزب خصوصاً أن حرب الجنوب المتزامنة مع حرب غزة، كشفت الكثير من الوجوه والمواقف.
تعزيز الإنفتاح على الآخرين
العام 2023 كان مهماً جداً بالنسبة لإنفتاح الحزب على الآخرين أو تعزيز تقاربه معهم. فعلياً، فإن حارة حريك أبقت على خطوط تواصلها مع الفرنسيين، كما أنها رسّخت اتصالاتها مع الرئيس السابق للحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط. أضف إلى ذلك، كان الحزب حذراً في فتح خطوط مع أطراف أخرى لدواعٍ سياسية مرحلية، علماً أن هذا الأمر لم يحصل.
إلا أنه ووسط كل ذلك، يتبين أن "حزب الله" أراد أن يتمسك ببعض الأطراف القوية والفاعلة سياسياً في لبنان، وذلك على قاعدة "الإمساك" بالمفاتيح. هذا المبدأ يظهرُ أنه مطلوب من قبل "حزب الله"، وهذا ما بينته وقائع كثيرة أبرزها التواصل العلني مع جنبلاط والزيارات المتبادلة بين الطرفين.
والسؤال الذي يأتي في خلاصة الكلام: ما هي خطوات "حزب الله" المنتظرة في الـ2024؟ وهل سيغير من معادلات أرساها هو بنفسه؟ الإنتظارُ سيكون سيد الموقف!!