شكّلت عمليّة إغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" صالح العاروري، إنتهاكاً لـ"قواعد الإشتباك"، عبر تنفيذ إسرائيل ضربة جويّة متقنة في الضاحيّة الجنوبيّة لبيروت، معقل البيئة المواليّة لـ"حزب الله". وفي حين يتخوّف الكثيرون، وخصوصاً الدول التي تعمل على تهدئة الوضع الأمنيّ في كلٍّ من غزة، وفي جنوب لبنان، من توسّع رقعة القتال، أعلن السيّد حسن نصرالله أنّ الردّ على غارة يوم الثلاثاء الماضيّ، سيكون حتميّاً، مع مراعاة "المقاومة الإسلاميّة" للظروف والمصلحة اللبنانيّة، أيّ من دون إدخال البلاد في مواجهة مباشرة مع العدوّ.
ولعلّ إغتيال العاروري في قلب بيروت، يحمل دلالات كثيرة. ويرى محللون عسكريّون في هذا السياق، أنّ إسرائيل بدأت بترجمة تهديداتها، باستهداف القيادات الفلسطينيّة، التي شاركت في التخطيط لعمليّة "طوفان الأقصى". ويُشيرون إلى أنّ تل أبيب لن تكتفي بالقضاء على هذه الشخصيّات في الداخل الفلسطينيّ، وإنّما ستعمل على التخلّص منها في لبنان، وفي تركيا، وحتّى في بعض الدول العربيّة الأخرى، مثل قطر.
ورغم أنّ الدول الحاضنة لقيادات "حماس" وجّهت تحذيرات شديدة اللهجة لإسرائيل، واعتبرت أنّ اغتيال أيّ شخصيّة فلسطينيّة على أراضيها، هو بمثابة عمل عدائيّ وإعلان حرب، كما أعلن على سبيل المثال الرئيس التركيّ رجب طيب اردوغان، لا يرى المحللون العسكريّون أنّ تل أبيب ستُوقف هذه العمليّات، ويعتقدون أنّ عملاءها على الأرض يعملون حاليّاً على تهيئة الظروف المناسبة، ومراقبة الأهداف، لتوجيه ضربة مدروسة لها.
ويلفت المحللون إلى أنّ حكومة الحرب في إسرائيل لم تُحقّق أهدافها في غزة، رغم الدمار الكبير الذي أحدثته، والقتل غير المسبوق الذي تسبّبت به في أرواح المدنيين، لذا، أصبح هدفها الأساسيّ إغتيال أبرز قادة "حماس" وغيرهم من الفصائل الفلسطينيّة الأخرى التي شاركت في هجوم 7 تشرين الأوّل، إعتقاداً منها، بأنّها بهذه الطريقة، تقضي على الأسماء التي باستطاعتها التخطيط لهجمات مستقبليّة على المستوطنات الإسرائيليّة، وتكون قد حفظت ماء وجهها، تجاه مواطنيها الذين يُحمّلونها مسؤوليّة الفشل الإستخباراتيّ، وعدم حمايتهم.
وبعد إغتيال العاروري، برزت تساؤلات تتعلّق بأمن قيادات "حزب الله"، لأنّ "المقاومة الإسلاميّة" على الخطوط الأماميّة في المعارك مع العدوّ الإسرائيليّ، ونواب ووزراء "الحزب" تحرّكاتهم معروفة. ويرى المحللون العسكريّون في هذا الصدد، أنّ إسرائيل أعلنت أنّها ستقوم باستهداف من شارك في الإعداد لعمليّة "طوفان الأقصى"، من دون التطرّق لأيّ إسمٍ لبنانيّ.
ويعتبر المحللون أنّ الجيش الإسرائيليّ قد يقتل بعض القيادات الحزبيّة التابعة لـ"المقاومة" في لبنان، كما حصل مع نجل رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، أو عبر استهداف حسين يزبك، مسؤول "الحزب" في منطقة الناقورة، ولكن من باب توجيه ضربات عسكريّة في مناطق الجنوب، وخصوصاً من يتهيأ له أنّهم يُشاركون في الأعمال القتاليّة، ضدّ مواقعه الحدوديّة.
ويوضح المحللون العسكريّون أنّ إسرائيل لا يُمكنها أنّ تتمادى في لبنان، عبر اغتيال مسؤولي الصفّ الأوّل في "حزب الله"، لأنّ هذا الأمر سيعني حتماً ردّ "المقاومة" بطريقة قاسيّة جدّاً، ودخولها الحرب، التي تل أبيب هي بغنى عنها، رغم إعلانها أنّها جاهزة لخوضها.
من هنا، تعمل إسرائيل على توجيه ضربات مُحكمة جدّاً، وتشمل "حماس" بشكل خاصّ، لأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة حذّرتها من تداعيات جرّ "حزب الله" إلى الحرب، وسحبت حاملة طائرات "جيرالد فورد" من سواحل فلسطين المحتلّة، في رسالة واضحة إلى تل أبيب، أنّ واشنطن لا تُريد الإنخراط في المعارك، وهي تدعو لاستئناف المفاوضات بشأن الأسرى والرهائن، ووقف إطلاق النار، وعدم التصعيد.