باتت الاجواء الاعلامية والعسكرية في المنطقة تتعامل مع الردّ الايراني بأنه حاصل، ومن الاراضي الايرانية ضدّ اسرائيل بشكل مباشر مع ما يعنيه ذلك من امكانية تطور الاوضاع وتدحرج المعارك الى حرب شاملة في حال قررت اسرائيل الرد على الردّ الايراني واستهداف الاراضي الايرانية. هكذا اصبح هناك اجماع على ان الحرب التي بدأت في 7 اوكتوبر انتقلت فعلياً الى مرحلة جديدة قد توصل الى ما يقترب من الإشتباك الاقليمي الذي لا يمكن ضبطه ابداً.
من الواضح أن الردّ الايراني حاصل، خصوصاً ان ايران لا يمكن لها تجاوز التصعيد الاسرائيلي المباشر ضدها، والذي استهدف عملياً ارضاً إيرانية،وان كان في سوريا، وتجاوز كل القواعد الديبلوماسية والقوانين الدولية وهذا يعطي طهران شرعية كبرى بالرد المتوازن، كما ان استمرار ايران بسياسة الصبر الاستراتيجي سيعرضها خلال وقت قصير إلى ضربات اسرائيلية اخطر من استهداف القنصلية، وقد لا يكون هناك أخطر من هذا الاستهداف سوى استهداف الاراضي الايرانية بشكل مباشر وقصف منشآت حيوية فيها.
تحاول تل ابيب التعايش مع احتمالات الردّ الايرانية، وتسعى بشكل جدي الى القيام بإجراءات تفرّغ هذا الردّ مهما كانت طبيعته، من اهميته، بمعنى آخر، في حال تمكنت الدفاعات الجوية الاسرائيلية مثلاً، من اسقاط الصواريخ الايرانية او الطائرات المسيّرة التي من المفترض أن تطلق عليها، فإنها ستنهي الفاعلية العملية للردّ وعليه لن تكون تل ابيب مضطرة أن تقوم بردّ على الردّ ما سيفتح الباب امام تدحرج كبير بالمعنى الميداني على اكثر من جبهة منها الجبهتان العراقية والسورية وربما حتى اللبنانية.
اعطت واشنطن، بشكل او بآخر، الضوء الاخضر لإيران للقيام بردّ ما على الخطوة الميدانية الاسرائيلية من خلال التنصل من معرفة النوايا التي كانت تبيّتها حكومة نتنياهو تجاه القنصلية، وهذا يعني أن واشنطن لن تكون جزءاً من الاشتباك الذي قد يحصل في حال ردّت إيران، وفي حال بقي الاشتباك المتوقع محدوداً. من هنا تؤكد مصادر مطلعة أن الاميركيين سيضغطون على اسرائيل لإحتواء الردّ الايراني وعدم التصعيد في حال حصوله، على شاكلة ما حصل بعد استهداف الايرانيين لقاعدة عين الاسد بعد اغتيال سليماني.
هذا الواقع المتوتر قد يبقى سائداً لكي يتمكن المحور من وضع قواعد حاسمة لمرحلة ما بعد الردّ، لكن الاهم هو ما قد يحصل من قبل حلفاء ايران او ما يعرف خلال معركة "طوفان الاقصى" بالجبهات المساندة، إذ ان التصعيد من لبنان والعراق سيكون احد الردود غير المباشرة لطهران وقد ألمح الى ذلك اكثر من مسؤول عسكري معني، ولعل ما قامت به الفصائل العراقية امس يوحي بإمكانية توسيع مدى وفاعلية الضربات من العراق.
حتى ان الصواريخ التي اطلقت من سوريا قبل ايام بإتجاه الجولان شكلت نقلة نوعية في حراك الجبهة السورية التي قد تكون احدى اوراق "المحور" التي قد تستخدم لوضع حدّ للتصعيد الاسرائيلي على الاراضي السورية، وبما أن تل ابيب تقصف دمشق بشكل دائم فما الرادع الذي سيمنع الاخيرة من فتح باب الاشتباك من اراضيها، خصوصا ان المجموعات المقاتلة المقربة من ايران لديها قدرات واسعة في سوريا وتحتاج فقط الى قرار سياسي...