أقرّ مجلس النواب في جلسة عقدها أمس، برئاسة الرئيس بري وحضور مختلف الكتل النيابية، توصية مؤلفة من تسع نقاط اعتبر فيها أن “لبنان ولكثير من الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية، ولكونه ليس بلد لجوء، هو غير مهيأ ليكون كذلك دستورياً وقانونياً وواقعياً. وهذا ما أكدت عليه مذكرة التفاهم الموقعة بين الحكومة اللبنانية، ممثلة بالمديرية العامة للأمن العام والمكتب الاقليمي لمفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين بتاريخ 9/9/2003، والمنشورة في الجريدة الرسمية العدد 52 في 13/11/2003، والتي ما زالت سارية المفعول ومنظمة للعلاقة بين الدولة والمفوضية وهي التي تؤكد إعادة النازحين إلى موطنهم الأصلي أو إعادة توطينهم في بلد ثالث”.
وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في كلمته:إن "المساعدات التي أعلنت عنها رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة ليست سوى تأكيد للمساعدات الدوريّة التي تقدمها المفوضية إلى المؤسسات الحكومية وهذه المساعدات سيُعاد تقويمها كل 6 أشهر وسيتمّ رفعها فور إقرار الإصلاحات". ولفت إلى ان "هذه المساعدات غير مشروطة ولم يتمّ توقيع أيّ اتفاق مع الاتحاد الأوروبي ولا يمكن اعتبار لبنان شُرطيًّا حدوديًّا لأيّ دولة وهذا ما أبلغناه للرئيس القبرصي ولرئيسة المفوضيّة الأوروبيّة"، مضيفا: "طلبنا من الجهات المعنيّة التشدّد بتطبيق القوانين لجهة ترحيل السوريين الذين يقيمون في لبنان بطريقة غير شرعية وعلى الجميع التعاون. كما أكد أن "الجيش يقوم بواجبه وضمن إمكاناته ولضبط الحدود جيّدًا يلزمنا 5 أضعاف الأعداد الموجودة على الحدود وطلبنا المساعدة لزيادة عدد أبراج المراقبة".
وقال الخبير الدستوري سعيد مالك إن «البرلمان من ضمن صلاحياته بحكم الدستور والنظام الداخلي أن يصدر التوصيات، وقد حصل أن أصدر أكثر من توصية في أكثر من مناسبة»، واوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التوصية النيابية ليس لها قوة إلزامية للحكومة، إنما لها قوة اعتبارية وإرشادية، ولكن إن حازت على تأييد الجزء الأكبر من تكوين البرلمان، فعندها يكون لها إلزام معنوي، بحيث إن الحكومة يُفترض عليها أن تأخذ بأي توصية صادرة عنه؛ كونه يمثل الشعب والمجتمع الذي يجب أن تحترم توجهاته وتطلعاته حول أي إشكالية».
وكتبت" النهار": صحيح ان التوصية النيابية التي أصدرها مجلس النواب للحكومة في شأن مواجهة احدى اخطر الازمات "الوجودية" التي تطبق بتداعياتها على لبنان واللبنانيين وهي ازمة النازحين السوريين ليست ملزمة، وهي برسم التنفيذ والصدقية والالتزام الجدي لشق طريق التنفيذ الصعب والمعقد لبرمجة إعادة النازحين ولا سيما منهم العدد الأكبر الكاسح الذي يدرج ضمن الوجود غير الشرعي للنازحين في لبنان .. لكن الصحيح أيضا انه ليس في كل يوم في ظروف لبنان الانقسامية والخلافية وفي ظل برلمان اخفق منذ سنة وسبعة اشهر، ولا يزال يجرجر ذيول الإخفاق في ملء شغور رئاسة الجمهورية الخاوية من شاغلها، وفي ظل حكومة "بتراء قولا وفعلا"، ووسط تباعدات وتباينات سياسية تجاوزت تلك التي عرفها البلد خلال أسوأ حقبات الحروب، يجمع مجلس النواب لمرة "نادرة"، ولو عبر توصية على توصيف ورسم خارطة طريق ولو مبدئية ونظرية لحل ازمة النازحين السوريين. فحتى في ظل الشكوك المشروعة والانتقادات الجاهزة المبررة لما يمكن ان تترجمه التوصية النيابية ومدى قدرتها الواقعية على اختراق جدران العقبات الخارجية والدولية والسورية واللبنانية لبدء تخليص لبنان من أعباء ازمة النازحين السوريين، لم يكن ممكنا تجاهل أهمية العامل المتمثل باجماع الكتل النيابية الكبيرة والنواب المستقلين على التوصية التي صدرت حيال ملف إعادة النارحين بما يمثل اقله نقطة توافق اجماعية نادرة أطلقت رسالة إلى العالم الخارجي، كما الى اللبنانيين، بان المجلس استجاب اقله ليعكس اجماع اللبنانيين على الطابع الملح العاجل الذي بات يفرض مواجهة هذه الازمة بكل الأساليب المتاحة وعدم الأخذ الا بمصلحة لبنان واللبنانيين بعد الان سواء في وجه الأصدقاء او الأعداء الذين يتفرجون او يتواطأون او ينأون بأنفسهم عن مساعدة لبنان في كارثته هذه. هذا "الالتزام" وضع المجلس والحكومة والكتل والنواب امام اختبار التنفيذ.
مصادر نيابية بارزة روت لـ»نداء الوطن» وقائع جلسة البرلمان أمس، فقالت: «جرى في جلسة البرلمان أمس تقديم توصيتين:
الاولى، اتفقت عليها مجموعة كتل، والثانية قدمها تكتل «الجمهورية القوية».
وأضافت: «الفارق بين التوصيتين على الرغم من التقاطع بينهما هو أنّ توصية الكتل التي تضم 9 بنود هي فضفاضة وإنشائية ولا تتضمّن اية خطة عملية، بل تتكلم على كل شيء من الحدود الى الحكومة السورية والدول المانحة وقانون قيصر وتأليف لجان بعد مرور 11 عاماً على أزمة النزوح .
اما التوصية الثانية، فكانت واضحة بالقول إنّ الحكومة التي بدأت اجراءاتها في شأن النزوح السوري، عليها أن تكمل عملها انطلاقاً من ان كل وجود غير شرعي يجب إخراجه من لبنان. ولا همّ اذا ما اعترض الاتحاد الأوروبي أو الحكومة السورية على ذلك، فلبنان اتخذ قراراً سيادياً، وعلى الحكومة أن تمضي في إجراءاتها. وكذلك على المجلس النيابي أن يمضي الى المزيد من دعم الحكومة وتحفيزها وتشجيعها في هذا المسار، ما يعني توجيه رسالة الى كل المعنيين في العالم أن الحكومة اللبنانية اتخذت قراراتها. وكان يؤمل أن تشكّل هذه الجلسة نوعاً من غطاء لمواصلة الدينامية التي انطلقت».
وتابعت المصادر: «الخوف الآن هو من أن تضرب توصية الكتل ببنودها التسعة الدينامية المتعلقة بإنهاء الوجود السوري غير الشرعي في لبنان».
وكتبت" الاخبار": عرض مسرحي هزلي جديد شهدته جلسة مجلس النواب أمس للبحث في ملف النزوح السوري، إذ إن التوصية التي خرج بها المجلس كانت معدّة وجاهزة ومطبوعة بعد الاتفاق عليها في الاجتماع التشاوري الذي عقد أول من أمس، وتمثلت فيه كل الكتل النيابية. لكن الاتفاق على السيناريو والحوار لم يحل دون الخروج على النص، وخصوصاً أن الجلسة كانت تُنقل مباشرة، ما أطالها لثلاث ساعات من المزايدات والاستعراضات، إلى درجة أن حزب القوات اللبنانية الذي بصم على التوصية عشيّة انعقاد الجلسة، لم يجد غضاضة في المزايدة على نفسه عبر اقتراح النائب جورج عدوان، باسم كتلة القوات، توصية إضافية أمام كاميرات التلفزيونات قوامها 4 كلمات: «ترحيل النازحين السوريين فوراً»، سقطت بعدم رفع الأيدي لسذاجة الفكرة وعدم قابلية تطبيقها. فيما التوصية التي صدرت، وصدّقها رئيس المجلس نبيه بري فوراً لعلمه بتوافق الكتل عليها، لم تكن سوى «تجميعة» أفكار غير ملزمة للحكومة ولا لأيّ طرف.
وأشارت مصادر مطلعة لـ”البناء” الى أن الحكومة ستلتزم بتوصيات المجلس النيابية وستعمل على تنفيذها”، مؤكدة أن الهبة الأوروبية تعتبر سارية المفعول ولم تكن في الأصل محل نقاش في جلسة المجلس النيابي: لكون الهبة مقدمة من الاتحاد الأوروبي سنوياً، وجرى دمجها اليوم على السنوات الثلاث المقبلة، لكن الشكوك تتركز حول لمن ستعطى هذه الهبة؟ هل للنازحين السوريين أم للبنانيين وللأجهزة الأمنية اللبنانية؟
أوساط نيابية شددت لـ”البناء” على أن التوصيات النيابية وإن كانت مهمة لا سيما أنها جاءت بعد شبه إجماع نيابي وتوافق وطني، لكنها ستبقى حبراً على ورقة إن لم تنفذ وتقترن بأوراق قوة على الحكومة أن تمتلكها بالضغط على المجتمع الدولي ولتعزيز موقفها التفاوضي في مؤتمر بروكسل للنازحين بعد أيام، كما لا يمكن حل ملف النزوح إذا لم يجر ضبط مفوضية شؤون اللاجئين وتقييد صلاحياتها الواسعة.
وفي السياق، أبلغت مصادر وزارية معنية بالملف “البناء” أن مفوضية الشؤون تواصلت مع الكثير ممن سجلوا أسماءهم للعودة الى سورية ضمن القوافل العائدة أمس الأول، وجرى تحذيرهم من العودة بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية الصعبة في سورية.
وأشارت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» إلى أن جلسة مجلس النواب لم تخالف التوقعات بشأن إصدار توصية بنقاط تستدعي متابعة لمعالجة ملف النزوح السوري، ورأت أن هذه الجلسة نجحت من حيث الشكل بالأحاطة بالملف في حين بقيت هبة المليار يورو من دون قرار على ان المسألة يجب ان تبت داخل الحكومة، إذ لا صفة للمجلس في التقرير.
ولاحظت هذه المصادر أن التوصية التي صدرت فندت الدور الذي يجب أن تضطلع به الجهات المعنية بهذا الملف وكان تأكيد على تحمل الحكومة مسؤولياتها، وأوضحت أنه يمكن القول أن تم طي صفحة الهبة بعد ان خلصت الجلسة إلى بنود حول معضلة النزوح، في حين أن الرسالة مما جرى موجهة إلى الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي والى المعنيين بهذا الملف.
التوصية
وقد أقر المجلس توصية مؤلفة من تسع نقاط لاعادة النازحين السوريين خلال سنة، ابرز ما تضمنته "تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة للتواصل والمتابعة المباشرة والحثيثة مع الجهات الدولية والإقليمية والهيئات المختلفة، لا سيما مع الحكومة السورية، ووضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين، التزام واضح بتطبيق القوانين النافذة التي تنظم عملية الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه، القيام بالإجراءات القانونية اللازمة لتسليم السجناء من النازحين إلى السلطات السورية ، دعوة المجتمع الدولي والهيئات المانحة لمساعدة الحكومة في تخصيص الإمكانات اللازمة للأجهزة العسكرية والأمنية من أجل ضبط الحدود البرية والتنسيق مع الجانب السوري للمساعدة من الجهة المقابلة، وحصر حركة الدخول والخروج عبر المعابر الشرعية بين البلدين، الطلب من أجهزة الأمم المتحدة كافة لا سيما مفوضية اللاجئين والجهات الدولية والاوروبية المانحة اعتماد دفع الحوافز والمساعدات المالية والانسانية للتشجيع على إعادة النازحين إلى بلدهم، ومن خلال الدولة اللبنانية ومؤسساتها أو بموافقتها، وعدم السماح باستغلال هذا الامر للايحاء بالموافقة على بقائهم في لبنان وتشجيع هذه الجهات على تأمين مثل هذه التقديمات في داخل سوريا… نقل رسالة واضحة للدول والهيئات العاملة بملف النزوح، بأن لبنان لم يعد يحتمل جعله سداً أمام انتقال النازحين إلى بلدان أخرى، وأنه بكل الأحوال لن تكون مهمته حماية حدود هذه الدول، من إمكانية الانتقال إليها ممن يرغب أو يحاول من النازحين مغادرة لبنان، وبأي وسيلة ممكنة".