التهديد الذي أطلقه أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصرالله، الأربعاء، ضد إسرائيل جاء على شقين: الأول ويرتبط بقول "أمين عام الحزب" إنه لن يبقى دبابات لإسرائيل إن فكرت بالدخول برياً إلى لبنان، بينما الشق الثاني ثبّته نصرالله بقوله إن أي تمادٍ إسرائيليّ في استهداف المدنيين سيدفع "حزب الله" لاستهداف مُستعمرات جديدة لم يجرِ استهدافها سابقاً.
في الأساس، التهديدات التي أطلقها نصرالله تحملُ طابعاً يُثبت معادلتين، الأولى شهدها لبنان سابقاً بينما الثانية قد لا تكون معروفة العواقب. هنا، جاء تهديد إسرائيلي مُقابل على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي تحدث عن إمكانية الانتقال إلى حرب مع "حزب الله" في لبنان بشكل "سريع ومفاجئ وحاد جداً".
كذلك، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن "الجيش الاسرائيلي أبلغ الأميركيين استعداده الجدي لعملية برية في لبنان وتكثيف الهجمات على "حزب الله".
إذاً، عادت مُجدداً الحرب الكلامية لتبرز بين الحزب وإسرائيل، علماً أن ما قاله غالانت ليس جديداً، في حين أن ما أدلى به نصرالله أرسى معادلتين، الأولى سابقة وشهدها لبنان فيما الثانية غير معروفة العواقب.. فكيف يُفسر الكلام ميدانياً وعسكرياً؟ وهل إسرائيل قادرة فعلياً على تنفيذ هجوم بري؟
كلام نصرالله عن أنه "لن تبقى هناك دبابات إسرائيلية" في حال حدوث أي حرب ضد لبنان يمثل المعادلة الأولى والتي تُعيد الذاكرة إلى ما شهدته حرب تموز عام 2006. حينها، بادر الحزب إلى ضرب الدبابات الإسرائيلية في أكثر من بقعة جغرافية وتحديداً في وادي الحُجير الجنوبي، ما أدى إلى سقوط ما يسمى بأسطورة "دبابة الميركافا".
بالأمس، استحضر نصرالله قوة "حزب الله" ضد الدبابات الإسرائيلية بكلامه العلني، ما يعني أن حرب لبنان قد تخلق أزمة وجودية على صعيد قوة المدرعات الإسرائيلية، وذلك في حال تكررت فقط مشهدية تموز 2006.
المعادلة الثانية المرتبطة بقصف مستوطنات جديدة بدأها الحزب قبل فترة قصيرة، فخلال يوم 8 تموز الجاري، استهدف الحزب مستوطنة يسود هامعليه التي تبعد عن الحدود مسافة 10.5 كلم. عملياً، فإن تلك الضربة مثلت انتقالاً جديداً على امتداد جغرافي بعيد ضمن العمق الإسرائيلي، ما يعني أن الحزب بدأ تدريجياً بتلك الضربات حتى قبل خطاب نصرالله الاخير، إلى أن جاء الأخير وثبت ذلك رسمياً، ما يعني أن البيانات اللاحقة لـ"حزب الله" ستشهدُ على ضربات في مناطق جديدة وتحديداً في حال أقدمت إسرائيل على قصف المدنيين في جنوب لبنان.
المسألة التي يتحدث عنها نصرالله تحملُ رسالة أبعد أيضاً، وتتمثل في أن تهديده لمستوطنات إسرائيلية بعيدة يأتي كردّ أيضاً على شمل إسرائيل مناطق لبنانية ضمن خط الإشتباك مثل الخردلي، كفرتبنيت، أرنون. عملياً، هذه المناطق تعتبر "صلة وصلٍ" بين قرى النبطية ومرجعيون، وعبرها يمكن المرور نحو المنطقة الحدودية. إذا تم النظر قليلاً إلى ما حصل خلال الأيام الماضية، سيتبين أن 3 استهدافات حصلت في تلك المنطقة بالتحديد، أي عند الخردلي، ما يشير إلى أن إسرائيل تسعى لضرب "همزة وصل" جغرافية أساسية في الجنوب، وبالتالي تهديد المدنيين عليها وجعلهم عرضة لاستهدافات خطيرة.
أمام ذلك، تقول مصادر معنية في الشأن العسكري لـ"لبنان24" إن "نصرالله أرسى معادلة ثابتة بشأن استهداف المدنيين بعدما قال سابقاً إن استهدافهم يمثل تجاوزاً للخطوط الحمراء"، وأضافت: "حديث أمين عام الحزب عن ضرب مستوطنات جديدة سيعني كلمة سرٍ تمهد لحدوث أمرين: الأول وهو تمديد الشريط الأمني الإسرائيلي القائم داخل فلسطين المحتلة، وبالتالي زيادة ضغط التهجير في أوساط الإسرائيليين، فيما الثاني يرسمُ معادلة مدني مقابل مدني ضمن مناطق خارج خطوط الإشتباك القائمة حالياً، ما يعني أن الاستهدافات قد تتطور أبعد في الداخل الإسرائيلي وقد تصل عند أي ضربة كبيرة داخل لبنان إلى مدن إسرائيلية محورية".
ماذا عن الحرب البرية؟
الخبير الإستراتيجي والعسكري عُمر معربوني قال لـ"لبنان24" إن إسرائيل أطلقت أكثر من 200 تهديدٍ ضد لبنان، وحتى الآن لم يجرِ تنفيذ أي من هذه التهديدات المرتبطة بتوجيه ضربة كبيرة وقاضية للبنان، وقال: "تل أبيب تستخدم في تصريحاتها عبارة لبنان وهي تهدد بضربه بأكمله على اعتبار أن حزب الله يُسيطر عليه وفق ما تقول المزاعم الإسرائيلية".
واعتبر معربوني أنَّ إسرائيل "تعيشُ مأزقاً كبيراً"، وأردف: "القادة هناك صرحوا بوجود نقصٍ في الدبابات، وقد جاء تصريح نصرالله تناغماً مع ما أعلنه الإسرائيلي إذ قال لن تبقى هناك دبابات. وعملياً، فإن هذا الأمر يتناسب مع قدرات حزب الله وقد شهدنا إطلاق 800 صاروخ مُضاد للدروع خلال المناوشات.. السؤال المنطقي هنا هو التالي: إذا استخدم الحزب هذا العدد من تلك القذائف المؤثرة، فكم يبلغ حجم مخزونه من تلك الصواريخ من أجل الحرب؟".
يرى معربوني أن الكلام عن إجتياح إسرائيلي للبنان يبقى مجرد كلام فقط باعتبار أنه لا قدرة لإسرائيل على فعل ذلك، وقال: "عند اندلاع أي حرب، فإن إسرائيل ستتلقى صواريخ متوسطة وبعيدة المدى سيطلقها حزب الله باتجاهها. بكل بساطة، فإن إسرائيل إن أرادت دخول لبنان ستنفذ ذلك من 3 نقاط ضمن الجنوب وتحديداً من القطاع الغربي (الناقورة)، والقطاع الأوسط (بنت جبيل) والشرقي (كفرشوبا ومزارع شبعا)، في حين أنها لن تتجرأ على دخول لبنان من وادي الخيام أو من وادي الحجير لأنها تلقت ضربات قاسية هناك خلال العام 2006".
وأردف: "كذلك، هناك الحرب الجوية التي سنشهدها، وحزب الله لديه طائرة شاهد 136 التي تطير لمسافة 2000 كلم وتحمل رأساً متفجراً بوزن 100 كلغ".
وختم: "الكثير من المفاجآت ستظهر في ظل عدم جهوزية الجيش الإسرائيلي لخوض حرب. في نقطة ما، سيجنّ جنون الإسرائيلي بسبب جبهة لبنان وقد يُقدم فعلياً على تنفيذ عملية ضده، لكن ذلك سيكونُ بمثابة ضربة قاسية جداً لإسرائيل، وهي تعلم ذلك".