بعد انتهاء الحرب كشف البنك الدولي عن تضرر نحو 100 ألف وحدة سكنية جزئيًا أو كليًا نتيجة الدمار الواسع الذي طال العديد من المناطق. من جانبها، أفادت منظمة الـ " UN-HABITAT" بأن عدد السجلات العقارية التي تضم مباني مدمرة وصل إلى 191 سجلًا. كما أظهرت التقارير أن أطنان الحطام الناتج عن المباني المدمرة بلغت نحو 8 مليون طن، وهي كمية هائلة من الركام التي تتطلب حلولًا عاجلة وفعّالة.
هذه الكمية الضخمة أعادت إلى الواجهة خطرًا بيئيًا كبيرًا قد يتسبب في تدهور البيئة لفترة طويلة. فقد خلفت الحرب تأثيرات مدمرة على الطبيعة، وأصبح من الضروري إيجاد حلول للتعامل مع هذا الكم الكبير من النفايات والركام. وبدأت الأصوات ترتفع مطالبة بضرورة إعادة الإعمار وإزالة الحطام بشكل يتماشى مع معايير البيئة المستدامة، لتجنب المزيد من الأضرار والتأثيرات السلبية على البيئة والصحة العامة. فما هي الطرق المناسبة لتحقيق ذلك بشكل يساهم في حماية البيئة والحد من المخاطر المستقبلية؟
في حديث مع الصحافي المتخصص في القضايا البيئية، مصطفى رعد، كشف أن "تأثير الحرب على البيئة كان كبيرًا ومتعدد الجوانب. فقد تسببت المواد الكيميائية في تدمير أكثر من 60 ألف شجرة زيتون، كما فُقد حوالي مليون رأس من المواشي. بالإضافة إلى ذلك، تم إحراق حوالي 20 ألف دنم من الأراضي الزراعية. أما في ما يتعلق بالمياه، فقد تأثرت السطحية والجوفية، حيث أظهرت الدراسات التي أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) أن حوالي 10% من الفوسفور الأبيض الذي استخدم في الحرب من الممكن ان تتسرب إلى المياه الجوفية. كما تأثرت نوعية الهواء بشكل ملحوظ بسبب الغبار الناتج عن الردم والركام".
أمّأ في ما يخص مرحلة إعادة الإعمار، فأشار رعد إلى أننا "اليوم في مرحلة إعادة التعافي، حيث تتطلب هذه المرحلة إعادة تقييم المخاطر الناجمة عن آثار الحرب. ومن خلال هذا التقييم، يمكننا وضع خطة قصيرة وطويلة المدى للتعامل مع هذه المخاطر. فالمجلس الوطني للبحوث والتنمية، يقوم بتحديد وتقييم المخاطر، وذلك بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لوضع خطة لإدارة الردميات والمواد المتراكمة مثل الحديد والبلاستيك وتحديد الأماكن التي سيتم فيها تخزين هذه المواد ومعالجتها بشكل آمن".
وأشار إلى أنّه "بناءً على ذلك، يمكن الإستفادة من المواد المتواجدة في الركام لأن المؤسسات المعنية بإعادة التدوير تعمل على تطوير حلول لإعادة استخدام المواد المختلفة، مثل البلاستيك والحديد والزجاج. فعلى سبيل المثال، المهندس زياد أبي شكر قام بتجميع الزجاج المتكسر الناتج عن انفجار مرفأ بيروت، وحوّله إلى أشكال فنية مبتكرة استطاع بيعها والإستفادة منها ".
في السياق نفسه، أكّدت النائبة نجاة عون في حديث لـ "لبنان 24"، أنّ "إعادة الإعمار، إذا تمت بطريقة صحيحة، لا ينبغي أن تشكل تهديدًا للبيئة. ولكن لا يمكننا ببساطة التخلص من النفايات والردميات التي خلفتها الحرب عبر إلقائها في البحر أو رميها عشوائيًا. ما نؤكد عليه هو ضرورة تبني طرق إعادة الإعمار المستدامة، وهو ما يتماشى مع الاتفاقات الدولية التي تم التوقيع عليها، ومع القوانين اللبنانية المعمول بها التي تفرض اتباع معايير بيئية مستدامة في كل الأنشطة المتعلقة بإعادة البناء".
أضافت: "على سبيل المثال، هناك العديد من أنواع الردميات التي يمكن الاستفادة منها أو إعادة تدويرها. الحديد يمكن جمعه وضغطه أو بيعه أو إعادة تصنيعه. أما الإلكترونيات، فهي تحتوي على معادن ثقيلة يمكن استغلالها بشكل مستدام أو إعادة تدويرها لتفادي تأثيرها الضار على البيئة، أمّا بالنسبة للباطون، من الضروري أن يتم طحنه وإعادة استخدامه في مشاريع متعددة، مثل تعبيد الطرقات أو سد الفجوات التي احدثتها الكسارات في الجبال، أو حتى في بناء حجر الخفان. لا يجب أن ننظر إلى هذه المواد كـ"نفايات"، بل كمصادر قيمة يمكن إعادة استخدامها. بهذه الطريقة، نتمكن من تقليص الحاجة إلى استهلاك الإسمنت، وبالتالي التقليل من استخراج المواد الخام من جبالنا التي بدأت تعاني من الزيادة في عمليات الحفر والتدمير".
وأشارت عون إلى أن "الضرر الذي يحدث للبيئة لا يأتي من النفايات نفسها، بل من الطريقة التي نتعامل بها معها. فالتعامل السليم مع المواد المتبقية من عمليات البناء أو الهدم يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في تقليل الضرر البيئي".
أوضحت أن "وزير الصحة قد شكل لجنة من أخصائيين من الجامعة الأميركية لدراسة أفضل الطرق للتخلص من النفايات، حيث قدمت اللجنة توصيات حول كيفية التعامل مع هذه المواد بطريقة آمنة وفعّالة".
كما شددت على أهمية الانتباه إلى المواد غير المنفجرة والمواد الكيميائية التي قد تكون قد زرعتها إسرائيل في بعض المناطق. مؤكدة على أنّه "عندما يسمح الجيش بالعودة إلى تلك المناطق، يجب البدء بهذه العملية فورًا، مع مراعاة كل المخاطر المتعلقة بهذه المواد".
وفي هذا السياق، أشارت إلى أن "ما حدث في عام 2006، عندما تم رمي النفايات في البحر وكذلك في عام 1990، غير مقبول تمامًا.ولا يجب أن نسمح بتكرار مثل هذه التصرفات التي تضر بالبيئة وتؤثر سلبًا". ويبقى السؤال: هل سيتمكن لبنان من تطبيق هذه الخطط بشكل فعّال لحماية البيئة وتحويل ركام الحرب من نقمة إلى نعمة؟
وكانت الحكومة قررت في الجلسة التي عقدتها في الجنوب اقرار دفتر شروط لتلزيم إزالة الأنقاض وفقاً لآليتين: الأولى اتفاق بالتراضي لتسريع القيام بالأعمال المطلوبة لفتح الطرقات وعودة والنازحين وبدء أعمال الترميم، والثانية مناقصة عامة للمسائل التي تتطلب وقتاً أطول.
كما حضّرت هيئة الشراء العام دفاتر شروط للتلزيم وفقاً لصيغتين؛ عقود الاتفاقات بالتراضي، إلى جانب مناقصات أو طلب عروض الأسعار. وستترك الهيئة للجهة الحكومية الملزِّمة حرية الاختيار في طريقة التعاقد مع المتعهّد. وهذه الجهات الحكومية، بحسب نص القرار الحكومي رقم 4، الصادر في 7 كانون الثاني الجاري، هي مجلس الجنوب في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية وأجزاء من البقاع الغربي. والهيئة العليا للإغاثة في بقية المحافظات، ومنها جبل لبنان، حيث الضاحية الجنوبية، ومجلس الإنماء والإعمار المعني بمسح الأضرار ورفعها عن المباني الرسمية والبنى التحية خارج نطاق عمل مجلس الجنوب، ووزارة الأشغال العامة والنقل.