لم يكن امرا عابرا ان يطلب الرئيس نجيب ميقاتي من الرئيس نبيه بري تحويل الجلسة التشريعية في مجلس النواب أمس الى جلسة مناقشة عامة وطرح الثقة بالحكومة، حيث شكل ذلك سابقة في تاريخ رؤساء الحكومات، وأظهر ان الرئيس ميقاتي الذي جاء بمهمة انقاذية لوقف الانهيار والتفاوض مع صندوق النقد الدولي واجراء الانتخابات النيابية، ضاق ذرعا من التجاذبات والصراعات السياسية التي تقدم المصالح الشخصية والحزبية على المصالح الوطنية العليا.
جرأة ميقاتي على طلب طرح الثقة بحكومته جاءت انطلاقا من أمور ثلاث، اولا، محاولة تيارات سياسية شاركت في الوصول الى الانهيار الكبير خوض انتخاباتها على ظهر حكومة غير مسؤولة عنه، وتعمل بكل جهد على ايقافه. وثانيا، الدعم الدولي غير المحدود للبنان والانفتاح العربي المستجد الذي بذل ميقاتي جهودا مضنية للوصول اليه، وملاقاته لبنانيا بمناكفات وتعطيل غير مبرر، وثالثا، شعور ميقاتي بانعدام المسؤولية الوطنية لدى بعض الاطراف التي تتعاطى مع المخاطر التي تحيط بالبلاد والعباد بلامبالاة.
بات واضحا، أن تيارات سياسية تسعى عشية الانتخابات النيابية الى تحقيق أي انجاز حتى ولو كان وهميا لتقدمه الى جمهورها المتشظي والمشتت، خصوصا انها تدرك ان هذا الاستحقاق سيفقدها الكثير من قوتها لذلك فانها تعتمد أساليب شعبوية وتخوض معارك “طواحين الهواء”، سواء بتحويل حاكم مصرف لبنان الى كبش محرقة، أو باتهام رئيس الحكومة بأنه يدافع عن المصارف، في حين ان ما قام ويقوم به هو واجب وطني يفرضه عليه موقعه الدستوري لجهة الحفاظ على القضاء كحصن حصين للبنانيين والحؤول دون وقوعه أو اتهامه بالاستنسابية التي تسيء اليه وتحوله الى خصم بدل ان يكون حكما، والحفاظ في الوقت نفسه على القطاع المصرفي الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد وقد يؤدي سقوطه الى سقوط لبنان وسقوط اموال المودعين معه.
وقد ظهر ذلك جليا في رد المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات قرار القاضية غادة عون الاخير بوقف تحويلات المصارف الى الخارج.
كل ذلك، شكل عامل استفزاز لرئيس الحكومة الذي يتعاطى مع الواقع السياسي انطلاقا من المصالح الوطنية، وهو نأى بنفسه عن كل المكاسب الشخصية وآثر العزوف عن الترشح للانتخابات النيابية بالرغم من سهولة المعركة، ليكون على مسافة واحدة من الجميع، ولكي يدير العملية الانتخابية كرئيس مسؤول وليس كرئيس مرشح، تماما كما ادار انتخابات عام 2005 ما قد يمنح لبنان الثقة على المستويين الاقليمي والدولي.
في غضون ذلك، يبدو أيضا ان البعض لم تعجبه النظرة الايجابية للمجتمع الدولي تجاه ميقاتي وسلوكه الحكومي، وكذلك انفتاح دول الخليج عليه، فبدأ بوضع العصي في دواليب قطار حكومته سواء على صعيد اسقاط اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” الذي يشكل مدخلا للتفاوض السهل مع صندوق النقد الدولي الذي اعطى مسؤولوه الرئيس ميقاتي وعودا بتخفيف الشروط والاجراءات القاسية تجاه لبنان، او عبر ادعاءات قضائية غب الطلب، أو بافتعال المزيد من الازمات في بلد لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الانهيارات..
لذلك فإن صرخة ميقاتي من مجلس النواب كانت بمثابة انذار للجميع بضرورة تغليب المصلحة الوطنية العليا على كل الانانيات والمصالح الاخرى من شخصية وانتخابية، لأن استمرار هذا السلوك سيؤدي حتما الى الانهيار الكبير الذي لن يستطيع احد تحمل تداعياته.
تقول مصادر سياسية مطلعة: إن ميقاتي كان جادا في طلب طرح الثقة بحكومته في مجلس النواب، ليبني على الشيء مقتضاه، مؤكدة انه لن يبادر هو الى تقديم استقالته في هذا الظرف الدقيق والخطير، لانه لا يسمح بأن يقال بأنه تسبب في ضرب استحقاق ديمقراطي اساسي في البلد هو الانتخابات النيابية، واذا كان هناك من يريد الغاء الانتخابات فلن يكون ميقاتي أداة له، لذلك فإنه باق على رأس الحكومة حتى اجراء الانتخابات النيابية..