لم يعد خافيًا على أحد أن جميع القوى، ومن دون أستثناء، ترفع في الموسم الإنتخابي شعارات "شعبوية" على مدّ عينك والنظر. فالأولوية بالنسبة إلى هؤلاء هي الإنتخابات النيابية، وما يمكن أن تحصل عليه هذه الجهة أو تلك من أكبر قدر من عدد النواب، حتى ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة ومصلحة المواطن، الذي سيصل نتيجة هذه السياسات الخاطئة إلى جوع ما بعده جوع.
وفي هذا الوقت يبدو فيه أن الحكومة تخوض سباقًا مع الوقت قبيل حلول موعد الإستحقاق الإنتخابي، بهدف تسريع إبرام إتفاق البرنامج التمويلي مع إدارة صندوق النقد الدولي، وفقا لمندرجات الإتفاق الأولي الذي تم توقيعه أوائل الشهر الحالي مع البعثة الخاصة للصندوق التي زارت بيروت، تستمر المساعي لحضّ مجلس النواب على إقرار حزمة مشاريع قوانين إصلاحية يشترطها الصندوق في المجالين المالي والمصرفي، ولا سيما ما يتعلق منها بوضع ضوابط إستثنائية على الرساميل والتحويلات (الكابيتال كونترول) والتعديلات المقترحة على مواد أساسية في قانون السرية المصرفية، ولاحقا المشاريع المتعلقة بإعادة هيكلة ميزانية البنك المركزي والجهاز المصرفي وتوحيد سعر صرف الليرة وإعادة هيكلة الدين العام والقطاع العام.
وفي هذا المجال أكد رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي أن مشروع القانون الرامي إلى وضع ضوابط إستثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة، يرمي إلى وضع ضوابط إستثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة، وهو، بهذا التوصيف، لا يتعلق بحقوق المودعين بل يشكّل ارضية يشترطها صندوق النقد الدولي في سبيل عرض خطة التعافي المنشودة على مجلس إدارته.
في نظرة سريعة إلى خطة الحكومة للتعافي يتبيّن في جانبها المالي، وهو الأهم على الإطلاق، إلتزام الحكومة بإعادة الوضع السليم للقطاع المالي ومقّومات ديمومته، لتصل إلى النقطة الجوهرية فتقر بأن التقديرات الحالية تشير إلى أن إحتياجات إعادة رسملة النظام المصرفي تزيد على 72 مليار دولار، إذا لم توضع هذه الخسائر في الحسبان وإذا لم تنفذ استراتيجية هادفة إلى إعادة تقوية النظام، فلن يكون ممكنا إستعادة الثقة بالقطاع.
وبهذه الطريقة يمكن الحفاظ على ودائع المودعين، ولاسيما الصغار منهم. وهذا ما شدّد عليه الرئيس ميقاتي، في الكتاب الذي وجهه بالأمس إلى مجلس النواب. فإذا لم تّقر هذه الخطة وكذلك الأمر بالنسبة إلى مشروع "الكابيتول كونترول" فإنه يصبح من الصعب في مكان، بل من المستحيل، الحصول على أي مساعدة ممكنة من الصندوق الدولي، وهو الوحيد القادر على إدانة لبنان في الوقت الحاضر، بعدما رفض لبنان، على يد حسّان دياب، دفع ديونه المستحقة للدائنين.
فإذا لم يمدّ صندوق النقد يده لإنتشال لبنان من أزماته التي تتفاقم يومًا بعد يوم، فإنه لن يجد أحدا لمساعدته ، لا من الأقربين ولا من الأبعدين، خصوصًا أن إهتمامات العالم اليوم هي في مكان آخر.
فخطة الحكومة للتعافي جوبهت بالرفض قبل حتى دراستها ومناقشتها، مع أنها تقرّ بوجوب إعادة رسملة البنوك التجارية القابلة للإستمرار وحل المتعثرة منها، بهدف إيجاد نظام مصرفي يتوافق مع اقتصاد قوي ويدعم تعافيه. وهذا الأمر يتطلب، وفق الخطة، إسهامات كبيرة من قبل المساهمين ومساهمات ضخمة من قبل كبار المودعين. ولعل البند الأبرز الذي يترقبه المودعون من مقيمين وغير مقيمين يكمن في تحديد خط الحماية التامة.
المسألة في غاية التعقيد، خصوصًا أن ما ينتظره اللبنانيون بعد الإنتخابات سيكون عظيمًا جدًّا.