Advertisement

لبنان

يكفي اللبنانيين ما يتعرّضون له من هزّات على غير مقياس "ريختر"

اندريه قصاص Andre Kassas

|
Lebanon 24
22-02-2023 | 02:00
A-
A+
Doc-P-1040987-638126510038218806.jpg
Doc-P-1040987-638126510038218806.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
لو أن مفاعيل الهزّات الأرضية، التي تضرب تركيا ويتأثر بها لبنان، أتت في ظروف طبيعية لما كان تفاعل معها اللبنانيون بهذه الطريقة الهستيرية، ولما كان الخوف والرعب قد اجتاحهم كما يجتاح الطوفان المنازل والطرقات. ولكن وبما أنهم لا يعيشون حياة طبيعية كسائر سكّان الأرض المعرّضين أيضًا لكل أنواع تجارب غضب الطبيعة، نراهم يبالغون في ردود فعلهم، لأن المكتوي من حليب تفجير المرفأ ينفخ على لبن أي نسمة تهبّ عليه، سواء أتت من الشرق أو من الغرب.  
Advertisement
وكان من المفروض على اللبنانيين، الذين يعيشون في دوامة "هزّات البدن" الدائمة، أن يتأقلموا مع كل أنواع الهزّات، وكان يُفترض بهم أن يكونوا محصّنين أكثر من غيرهم، لأن ما عانوه طوال الست سنوات الأخيرة، وما يعانونه اليوم نتيجة هذه السنوات الصعبة، هو أشدّ مرارة مما يتعرّضون له من مفاعيل هزّات لا تزال بعيدة عنهم نسبيًا.  
ولكن ما يدعو إلى عدم الخوف والهلع هو أن بعض الخبراء الجيولوجيين الجدّيين والمتزنين في إطلاق أحكامهم وتوقعاتهم يحاولون أن يفسرّوا هذه الظواهر الجيولوجية بموضوعية ووفق منطق علمي سليم، من دون اللجوء إلى بعض الأساليب، التي تثير الرعب في النفوس المضطربة أصلًا.  
ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإن بعض وسائل الاعلام، وبالأخصّ الحديث منها، يلهث وراء عناوين فيها الكثير من الاثارة، بهدف زيادة ما يُسمى "الترافيك"، الذي أصبح "موضة دارجة" في عالم الصحافة الحديثة، بعدما غابت نظريًا وتأثيرًا الصحافة الورقية المتزنة والجدّية، والتي كان للخبر فيها قيمة لم تعد موجودة اليوم في عالم صحافة السرعة والتسابق غير المنطقي على استقطاب أكبر نسبة من القرّاء.  
ولأننا نحن المخضرمين من جيل تتلمذ على أيدي كبار الصحافيين، والذي يكاد ينقرض، لا نزال نؤمن بأهمية الكلمة والخبر، وما للموضوعية والجدّية والحرفية من مكانة حتى في العالم الإعلامي الافتراضي، نحرص على أن يبقى للإعلام حرمته وقدسيته، مع اعترافنا بأننا لا نزال "متخلفين" عن ركب موجة التكنولوجيا الجديدة، التي يتقنها الجيل الجديد.  
وبالعودة إلى البدء نعود لنقول إن ما يُصاب به اللبنانيون من ويلات يومية تتخطّى بمفاعيلها هزّات الطبيعة "مكّفيهم وموفيهم"، إذ تكفي مراقبة قفزات الدولار في الأسواق الموازية. ويكفي اللبنانيين وصول سعر كلغ البصل إلى ما لا قدرة لهم على شرائه بالكمية الكافية بعدما تخطّى سعره المئة ألف ليرة، وهي كانت تساوي في أيام العزّ وقبل الفاقة خمسة وسبعين دولارًا. ويكفي اللبنانيين أن الذين يدّعون بأنهم مسؤولون غير قادرين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خصوصًا أنهم يعرفون مسبقًا أن لا إمكانية لأي حلحلة من دون أن يكون على رأس هذه الدولة المنهارة رئيس لديه القدرة على ابتداع الامل بغد أفضل، وهو القادر أيضًا على إعطاء إشارة الانطلاق لورشة إصلاحية كان من المفترض أن تبدأ منذ زمن بعيد.  
يكفي اللبنانيين ما يعانونه في كل لحظة من لحظات حياتهم من إطلالات إعلامية لبعض الوجوه السياسية، الذين "تقطع شوفتن الرزق". يكفيهم ما يتعرّضون له على عدّ الدقائق لهزّات بدن من جرّاء أخبار عدم توافر الأدوية في الصيدليات، وبالأخص أدوية السرطان أو الأمراض المزمنة.  
يكفي اللبنانيين ما يعيشونه من قلق دائم ومستمر جرّاء طبقة سياسية لا همّ لها سوى التفتيش عن مصالحها الشخصية، ولو على حساب الناس.  
يكفي اللبنانيين "هزّات بدن" تأتيهم من كل حدب وصوب. فكلما أقفل بابًا يأتيهم من ريح ظنًّا منهم بأنهم سيستريحون يُفتح لهم باب، وآخر هذه الأبواب كان باب جهنم.  
ولكن ما يطمئن هو أن اللبناني شاطر بكل شيء، حتى أنه قادر على تحويل الكارثة إلى نكتة. وهذا ما نلاحظه عند اشتداد الأزمات. فهكذا شعب يحب الحياة إلى هذه الدرجة لا خوف عليه، وهو سيعود إليها من جديد وبشغف أكبر وأقوى، مع أن البعض لا يستطيب حكاية "طائر الفينيق". لا أعرف لماذا؟   
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك