كمثل باقي الدّول، يرزحُ لبنان تحت تأثيرات التغيرات المناخيّة، فهو ليس بمنأى عنها أبداً والدليل على ذلك هو ما يحمله الطقسُ من مفاجآت. حتماً، كانت هذه إحدى النتائج التي يمكن استخلاصها من تقرير البلاغات الوطنيّة الرابع لإتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي، والذي أطلقته وزارة البيئة ممثلة بشخص الوزير ناصر ياسين، كوثيقةٍ رسمية تتضمن قوائم الجرد لإنبعاثات غازات الدفيئة في لبنان للفترة الممتدة بين 2016 و2019، فضلاً عن لمحة عامّة عن الترتيبات المؤسسية المرتبطة بالقياس والإبلاغ والتحقق، وكذلك معلومات مُحدثة عن مخاطر تغير المناخ ومكامن الضعف التي يواجها لبنان وفقاً لآخر التقييمات العالمية والإقليمية، وكيفية تحسين القدرة على التخفيف والتكيف.
في الواقع، فإنّ التقرير يكشف تقديراتٍ مُخفية لتأثيرات التغيرات المناخية ومخاطرها على لبنان والتي من المحتمل أن تحصل في منتصف هذا القرن بين 2040-2060 (أي خلال 30-40 سنة المقبلة) وتزداد مع نهاية القرن، والتي تستوجب مقاربتها بجدية والتخطيط للتكيف معها من قبل كل القطاعات.
ماذا ستشهدُ الحرارة؟
يكشفُ سياق التقرير أنّه من المتوقع حصول زيادة في متوسّط الحرارة من 1.6 درجة مئويّة إلى 2.2 درجة مئوية بحلول منتصف القرن (2040 - 2060) عند مقارنتها بالفترة المرجعية من 1986 إلى 2005. كذلك، فإنّه من المُحتمل أن ترتفع الحرارة مع نهاية القرن إلى 4.9 درجات مئوية. وفعلياً، فإنّ الزيادة تحدثُ استناداً إلى كلّ فصلٍ من الفصول، وهي أكثر تجلياً في فصلي الصيف والخريف، وسيكون سهل البقاع وغالبية المناطق الساحلية في مختلف أنحاء لبنان الأكثر تأثراً من هذه الزيادة.
كذلك، فقد كشف التقرير أيضاً أنّه من المتوقع أيضاً حدوث ارتفاعٍ في موجات الحر في لبنان، لافتاً إلى أنّ الأيام التي ستفوق فيها الحرارة الـ35 درجة و 40 درجة مئوية، ستتضاعف خلال الـ30 سنة المقبلة، وذلك مقارنة مع الفترة المرجعية ما بين العامين 1995 و 2014. وللإشارة، فإن موجات الحر ستكون أكثر بروزاً في المناطق الساحلية وكذلك الداخلية، أي في مناطق البقاع.
ماذا عن المُتساقطات والجفاف؟
لا يُخفي التقريرُ أيضاً المعطيات المتعلقة بالمُتساقطات والأمطار، فتراجعها بارزٌ وواضحٌ بحسب ما تكشفه الأرقام. وإستناداً إلى ما جرى إبرازه، فإنّه من المتوقع أن تتراجع المُتساقطات بين 6.5% و9% بحلول منتصف القرن، كما أنه من المتوقع أن تتراجع بنسبة تتراوح بين 9 و 22% بحلول نهاية القرن. ومع ذلك، فإنّ التوقعات تشيرُ إلى أنّ أيام الجفاف ستزداد في كل المناطق للفترة الممتدة ما بين 2021 و 2040 وللفترة ما بين 2041 و 2060، على أن تكون هذه الزيادة أكثر تجلياً في المناطق الجنوبية وعلى طول السّاحل.
وأمام كل ذلك، فقد حذّر التقرير من مغبّة عدم الإلتفات إلى أخطار المناخ وتأثيراتها الحقيقية، مشدّداً على وجوب مقاربتها بجدّية لأن "انعكاساتها ستكون خطيرة وجمّة على الأمن الزراعي والغذائي، ويضيف: "ما لا يمكن إغفالهُ هو أنّ ارتفاع درجات الحرارة والجفاف وموجات الحر ستؤثّر على كافة المحاصيل الزراعية بشكل كبير، خصوصاً أن سهل البقاع والمناطق الزراعية الداخلية ستكون أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. كذلك، فإن الإرتفاع في حدّة ومدة موجات الحر، سيكون لها تأثيرات صحية كبيرة على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحضرية بالإضافة إلى تنامي الإحتياجات لإستهلاك الطاقة تلبية لمتطلبات التبريد. وعليه، فإن الإرتفاع في موجات الحرارة الحادّة وأحوال الطقس المتطرفة سيؤثر بشكلٍ كارثي على ازدياد وتيرة حرائق الغابات وحدّتها".
ما العمل؟
ولتفادي التأثيرات المذكورة، طرح التقرير تعزيز تكيّف كافة القطاعات وتحضيرها مع التبدلات القائمة، داعياً إلى تحسين قدرة القطاع الزراعي على الصمود والتأقلم مع التغيرات المناخية، العمل بجدية على الإستخدام المُستدام للموارد الطبيعية خصوصاً الإدارة المُستدامة للمياه، إدارة التنوع البيولوجي البرّي والبحري، الحد من تعرض المناطق الساحلية لتأثيرات تغير المناخ، ضمان الصحة العامة والحد من مخاطر الكوارث والتحضّر لها خصوصاً حرائق الغابات والفيضانات.
كذلك، شدّد التقرير على أهميّة العمل على تعزيز استخدام التكنولوجيا في تعزيز التكيف المناخي، خصوصاً في 4 قطاعات هي: الطاقة والنقل والزراعة والمياه، ويضيف: "إنّ وزارة البيئة تعمل على اقتراح خطط عمل في مجال التكنولوجيا من شأنها أن تُعزّز استعمالاً أكثر للتكنولوجيات المراعية للمناخ في لبنان، مثل استخدام عدادات مياه ذكية وغيرها من التقنيات المتوفرة".
ويؤكد التقرير أيضاً على وجوب الإستفادة أكثر من فرص التمويل المناخي حيث تعمل الوزارة على تحسين جهوزية لبنان للاستفادة من الصندوق الأخضر للمناخ وكذلك تنظيم التمويل من المرافق الأخرى بما يوائم خطط الوزارة على تعزيز قدرات لبنان على التكيف مع التغير المناخي.
في ما يلي خرائط مُرفقة تظهر تأثير التغيرات المناخيّة على لبنان: