كتب محمد شقير في" الشرق الاوسط":تقف هيئة العمل الفلسطيني المشترك عاجزة أمام تثبيت وقف إطلاق النار في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في «عين الحلوة»، ما دامت خطوط التماس بداخله ما زالت قائمة وتعيق عودة الحياة فيه إلى حالتها الطبيعية في ظل الحرب المتقطعة بين حركة «فتح» والمجموعات المتطرفة، وتدور رحاها للسيطرة على المخيم الذي يشكل عاصمة الشتات الفلسطيني ولم يعد خاضعاً كما يجب لسلطة «منظمة التحرير الفلسطينية» بغياب المرجعية السياسية القادرة على ضبطه التي أخذت تتراجع تحت ضغط التناقضات التي تسود الإقليم.
فالهدنة الهشة التي أرستها هيئة العمل الفلسطيني المشترك يمكن أن تتعرض في أي لحظة إلى انتكاسة يمكن أن تفتح الباب أمام توسّع دائرة الاشتباكات، رغم أن الأطراف المتقاتلة بداخله - سواءً كانت مباشرة أو بالواسطة - تتبارى في دعوتها للتقيد بوقف إطلاق النار، ويسعى كل طرف إلى رمي المسؤولية على الآخر، محملاً إياه مسؤولية العبث بأمن المخيم.
ويخطئ من يعتقد أن الحرب المفتوحة بين حركة «فتح» والمجموعات المتشددة والمتطرفة لا تتداخل فيها التناقضات في الإقليم والأجندات الخارجية، وإلا فكيف يُسمح للعناصر المتفلتة من هذا الطرف أو ذاك بعدم التقيد بوقف إطلاق النار ومبادرتها إلى فتح معارك بلا حسيب أو رقيب؟
وفي هذا السياق تتوقف مصادر فلسطينية وصيداوية أمام الخرق الذي حصل ليل أول من أمس وكاد يؤدي إلى انهيار الهدنة على خلفية اتهام «عصبة الأنصار» لعناصر متفلتة من حركة «فتح» بشن هجوم استهدف عدداً من أحياء المخيم، وأبرزها الطوارئ والصفصاف، وتحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية رفع الغطاء السياسي عنها ومحاسبتها. وتقول إن العصبة ليس لديها نية للدخول في صدام مسلح مع «فتح»، وأن الأخيرة ليست في وارد توسيع دائرة الاشتباك وصولاً للانجرار إلى فتح النار عليها.
لكن الهدنة السائدة إعلامياً على الأقل بين «فتح» و«عصبة الأنصار» لا تُعفي الأخيرة، كما تقول المصادر اللبنانية والفلسطينية لـ«الشرق الأوسط»، من مسؤوليتها عن توفير الغطاء السياسي للمجموعات المتطرفة والمتشدّدة التي تتحصن في الأحياء الخاضعة لسيطرتها.
وتكشف المصادر نفسها عن أن «عصبة الأنصار» تشارك في هيئة العمل الفلسطيني المشترك إلى جانب حليفها الشيخ جمال خطاب الذي يتزعّم «الحركة الإسلامية» المجاهدة، وهما على خلاف سياسي مع «فتح» من جهة، وفي تناغم مع المجموعات المتطرفة من جهة أخرى، ولديها القدرة في الضغط عليها لتسليم المطلوبين المتهمين باغتيال مسؤول الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا أبو أشرف العرموشي وأربعة من مرافقيه لكنهما لم يبادرا حتى الساعة، مع أن تسليمهم للقضاء اللبناني يُسقط ذريعة «فتح»، ويسهم في إنهاء الوضع الشاذ في المخيم وما يترتب عليه من تداعيات على مدن وقرى الجوار، وبالأخص صيدا.
وتستبعد إمكانية طي صفحة الاشتباكات في «عين الحلوة» ما لم تنجح الجهود التي تتولاها هيئة العمل المشترك في توقيف المتهمين بقتل العرموشي ورفاقه؛ لأن «فتح» تلقت باغتياله ضربة غير مسبوقة لا تستطيع معها البقاء مكتوفة اليدين؛ لأن صمتها سيدفع بخصومها للاستقواء عليها والنيل من هيبتها.
وتلفت إلى أن «عصبة الأنصار»، وإن كانت تتجنّب الدخول في اشتباك مع «فتح»، فإنها في المقابل تشكل الحاضنة للمجموعات المتشددة التي هي على خلاف مع «منظمة التحرير» وقوتها الضاربة المتمثلة بـ«حركة فتح». وتقول بأنها اتخذت منها خط الدفاع الأول في مواجهة من يخطط لاستهدافها.
مخيم «عين الحلوة» يبحث حالياً عن مرجعية بديلة للمرجعية التي كانت أنيطت بـ«فتح»، وهذا ما يكمن وراء احتضان «عصبة الأنصار» للمجموعات المتطرفة، رغم أن مصادر فلسطينية تعترف بأن استبدال المرجعية في المخيم سيؤدي إلى توتر العلاقة مع مدن وبلدات الجوار وأولها صيدا؛ كون هذه المرجعية ستوفر الغطاء السياسي للمئات من المطلوبين، سواءً كانوا من «الدواعش» أو «القاعدة» أو «فتح الإسلام» أو «جبهة النصرة» الذين يقاتلون «فتح» تحت لافتة «جند الشام» بزعامة بلال بدر وهيثم الشعبي وعمر الناطور، إضافة إلى اللبنانيين الملاحقين قضائياً بتهمة ارتكابهم جرائم يعاقب عليها القانون، ومعهم العشرات من السوريين ممن لجأوا إلى المخيم.
ويبقى السؤال: ما مدى صحة وجود «أبو محجن» طليقاً في المخيم على ذمة مصادر لبنانية - فلسطينية تنفي تواريه عن الأنظار؟