بعد التوتّر بين "حزب الله" و"التيّار الوطنيّ الحرّ"، جراء تغطيّة وزراء "الثنائيّ الشيعيّ" لجلسات حكومة تصريف الأعمال، ومحاولة حارة حريك فرض رئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجيّة على النائب جبران باسيل وتكتّل "لبنان القويّ"، دخلت علاقة الحليفين الشيعيّ والمسيحيّ بحالة إضطراب وعدم ثقة، تترجمت بتصاريح من نواب ميرنا الشالوحي ورئيسهم، ووصلت إلى حدّ طرح إلغاء "إتّفاق مار مخايل" بينهما.
وبعد تواصل "لبنان القويّ" مع أفرقاء المعارضة، وتوافقهم على ترشّيح وزير الماليّة السابق جهاد أزعور، سارع نواب "الوطنيّ الحرّ" إلى المطالبة بالحوار بعدما رفضوه في السابق، بحجة أنّ رئيس الجمهوريّة هو وحده الذي يدعو إليه ويرأسه. وكما هو ظاهرٌ، فقد اقتنع "حزب الله" أخيراً أنّه من دون حليفه المسيحيّ، لا يستطيع إيصال مرشّحه، ففتح صفحة جديدة معه، وصفتها أوساط نيابيّة "ممانعة" بالإيجابيّة، وقد تُؤدّي إلى تقدّم فريق الثامن من آذار على المعارضة في الإستحقاق الرئاسيّ.
وصحيحٌ أنّه حتّى اللحظة، تقول أوساط نيابيّة في "الوطنيّ الحرّ" إنّها لا تزال داعمة لأزعور، إنّ دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي لجلسة إنتخاب جديدة، غير أنّ مراقبين يرون أنّ ترشّيح باسيل لوزير الماليّة السابق كان مراوغة، لإرغام "حزب الله" على التواصل معه، وهذا الأمر تحقّق، وعاد التنسيق في مختلف الملفات بين حارة حريك وميرنا الشالوحي.
ويقول المراقبون إنّ باسيل رمى الكرة الرئاسيّة في ملعب "الحزب"، فإذا وافق وبرّي على شروطه بالذهاب بعد انتخاب الرئيس إلى إقرار قانونيّ اللامركزيّة الإداريّة والصندوق الإئتمانيّ، عندها سيدعم فرنجيّة. ويوضح المراقبون أنّ تفاؤل برّي رئاسيّاً، يعود ربما إلى رغبته مع "حزب الله" بتنفيذ بعض مطالب باسيل، فبالنسبة لهما، المعركة هي بنجاح مرشّحهما، كيّ يستطيعا سويّاً من السيطرة على مقاليد الحكم والسياسة في السنوات الستّ المقبلة، ولقطع الطريق أمام المعارضة، التي ترغب عبر انتخاب أزعور بمناقشة الإستراتيجيّة الدفاعيّة وسلاح "المقاومة".
ويعمل "الثنائيّ الشيعيّ" على الإسراع بالتوصل لاتّفاقٍ مع باسيل قبل أيلول المقبل، موعد عودة وزير الخارجيّة الفرنسيّة جان إيف لودريان إلى لبنان، كيّ يحمل معه إسم مرشّح فريق "الممانعة" للدول الخمس. ويعتبر المراقبون أنّ السيّد نصرالله وبريّ يُوليان أهميّة كبيرة بأنّ يدعم رئيس "الوطنيّ الحرّ" فرنجيّة، لأنّ موقفه سينسحب على كتلتيّ "اللقاء الديمقراطيّ" و"الإعتدال الوطنيّ"، لأنّهما لن يقفا بوجه أيّ شخصيّة توافقيّة.
ويلفت المراقبون إلى أنّ انتقال التواصل بين باسيل ورئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا، إلى لقاء صريحٍ مع السيّد نصرالله في الضاحيّة الجنوبيّة، سيُسرّع من التوافق بينهما، وخصوصاً وأنّ باسيل كان يُطالب منذ فتور علاقته مع قيادة "الحزب" بالإجتماع مع أمينه العامّ، لمناقشة الخلافات بينهما. وقد يحصل هذا اللقاء وفق المراقبين قريباً، إذا وافقت حارة حريك على لامركزيّة إداريّة محدودة، كونها تعتبر أنّها شكلٌ من أشكال التقسيم والفدراليّة التي لا تُؤيّدها، إنّ شملت الشؤون الماليّة للبلاد.
تمكّن "حزب الله" من فرملة إندفاعة المعارضة بدعم أزعور، وأعاد باسيل إلى صفوف "فريق الثامن من آذار"، أيّ أنّه نجح بفرض مرشّحه مرّة جديدة، فأصبحت حظوظه أكبر. ويرى المراقبون أنّ "الثنائيّ الشيعيّ" لم يعد يُولي أهميّة للحوار، فقد استبدله بالحوارات الثنائيّة التي تدور بين صفا وباسيل، وقد تُفضي إلى توحيد جهود "الممانعين"، والسير موحّدين إلى جلسة الإنتخاب المقبلة.
ولا يستبعدّ المراقبون حصول لقاء بين باسيل وأحد المقرّبين من سليمان فرنجيّة، لتهيئة ظروف الإجتماع بين الأخير ورئيس "التيّار"، فـ"حزب الله" لن يكتفي بالتواصل مع باسيل، وسيعمل مرّة جديدة على تقارب الحليفين المسيحيين السابقين. ويُشير المراقبون إلى أنّ فرنجيّة، كما برّي لا يزالان يُبديان تمسّكهما بتنفيذ "إتّفاق الطائف"، أيّ أنّهما لا يجب أنّ يُعارضا تطبيق اللامركزيّة الإداريّة، فإذا قبلا بها، عندها سيتبدّل المشهد السياسيّ في مجلس النواب، ويتمّ إنتخاب فرنجيّة بأصوات مسيحيّة وشيعيّة ودرزيّة وسنّية.