الذين أقدموا على حرق لافتات "
لبنان عهد جديد"، بعد يوم من رفعها على طريق
المطار، هم أنفسهم الذين أطلقوا الصواريخ من على منصّات بدائية الصنع من الجنوب اللبناني في اتجاه
الشمال الإسرائيلي. هم مجهولو الهوية حتى الساعة. يتحرّكون تحت جنح الظلام، ويعتقدون أن لا أحد من
الأجهزة الأمنية الخبيرة يستطيع أن يكشف هويتهم، أو بالأحرى يجسر على كشفها. هذا الكلام هو من الماضي، ولكن واقع اليوم مختلف شكلًا ومضمونًا. فلا يوجد في عهد لبنان الجديد ما كان يُسمّى بـ "الأمن الذاتي" في أي مربع من المربعات الأمنية، التي كانت محظورًا على القوى الأمنية الشرعية الدخول إليها تمامًا كما هي الحال بالنسبة إلى المخيمات
الفلسطينية، التي أصبحت ملجأً لجميع الهاربين من وجه العدالة.
لم تكد
فرحة الذين أملوا خيرًا من انتشار هذه اللافتات على طريق المطار تصل إلى "قرعتهم" حتى جاءهم الجواب من قِبل مجهولين لم يرق لهم أن يكون هذا الطريق، الذي هو بوابة العبور إلى الداخل اللبناني، خاليًا من الصور التي تستفز معظم الذين يقصدون لبنان لتمضية اجازاتهم في ربوعه خلال فصل الصيف الواعد، سواء أكانوا مغتربين أو سياحًا عربًا وأجانب. وبكلام آخر يمكن
القول بأن الذين أقدموا على حرق هذه اللافتات على المدخل الوحيد إلى قلب بيروت، ومنها إلى سائر المناطق، قد أرادوا أن يقولوا إن "لبنان العهد الجديد" لن يتحقّق بالطريقة، التي تُدار فيها أمور البلد، والتي يسعى من خلالها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ومعه حكومة "الإصلاح والإنقاذ" إلى تطبيق القوانين المرعية الاجراء، وإلى طي صفحة الماضي بما فيها من أسباب غير موجبة لاستمرار الفوضى، التي اعتاد على ممارستها جميع الذين نصّبوا أنفسهم بقوة واقع الأمر مكان الدولة.
الذين أحرقوا هذه اللافتات أرادوا أن يقولوا لرئيس الجمهورية أن يخيّط بغير مسّلة
سلاح "
حزب الله"، أو هم أرادوا أن يشوشوا على إمكانية التفاهم بين الرئاسة الأولى والقيادة السياسية لـ "الحزب" على مصير السلاح، اعتقادًا منهم أن الأنظار ستتوجّه تلقائيًا نحو بعض العناصر الحزبية غير المنضبطة، والتي تقوم بأعمال خارجة عن سياق
الطبيعي لما
يحاول الرئيس
نبيه بري بالتفاهم مع
الرئيس عون القيام به لجهة دعم مسيرة العهد الجديد، وذلك عبر إيجاد حلّ متدرج لسلاح "حزب الله".
عندما نفى الرئيس عون خلال
المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن يكون "حزب الله" هو الذي أطلق الصواريخ البدائية الصنع في اتجاه
إسرائيل، وإن لم يرق هذا النفي لكثيرين من الداخل والخارج، كان يهدف إلى توجيه بعض الإشارات الإيجابية إلى
القيادة السياسية لـ "الحزب". ولا يُستبعد أن يفعل الشيء ذاته بالنسبة إلى حرق لافتات المطار لأنه يريد أن يأكل عنبًا لا أن يقتل الناطور.
فالوضع حساس ودقيق للغاية، على ما تقوله أوساط سياسية متابعة. وهذا الوضع لا يحتمل أي خطأ لا في التقدير ولا في التدبير. لكن ما حصل على طريق المطار وقبله في الجنوب لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام وكأن شيئًا لم يحصل. بل هناك إصرار من قبل المسؤولين على كشف هوية الذين يعملون في الخفاء لتوتير الأجواء وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وذلك لكي لا تبقى تفاصيل ما حصل مجهولة، أو بالأحرى مجهّلة.
فالذين يحاولون الاصطياد بالمياه العكرة كثيرون. والذين يتضررون من أي تفاهم بين السلطة الشرعية وقيادة "حزب الله" على موضوع السلاح هم أكثر من كثيرين. إذًا من الطبيعي أن تتوجّه أصابع الاتهام إلى المكان الصحيح لأن هدف الذين أقدموا على حرق اللافتات على طريق المطار هو حرف الأنظار وتصويبها نحو
العنوان الخطأ، وذلك لما يمكن أن يحدثه من بلبلة أي اتهام اعتباطي وغير مسند بوثائق ومعطيات دامغة وموضوعية بعيدًا عن الأحكام المسبقة.