سبق الإطلالة الأولى للأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله صمت كبير. لكن هذا الصمت ترافق مع حملة ترويجية منظّمة لهذه الاطلالة ساهمت في أمرين. الأمر الأول محاولة توجيه أنظار العالم كله، وبالأخصّ العدو الإسرائيلي، لما سيقوله "السيد" بعد طول انتظار، وبعد هذا الصمت الطويل. ولنعترف بأن هذه المحاولة كانت ناجحة اعلاميًا مئة في المئة. والدليل أن ردود الفعل الأميركية والإسرائيلية على ما قيل في هذه الاطلالة جاءت بعد دقائق من انتهاء خطاب 3 تشرين الثاني. أمّا الأمر الثاني فكانت نتائجه عكس ما أريد لهذه الحملة من أدوار، إذ رفعت منسوب الأمل لدى جمهور محور "الممانعة" الممتد من قطاع غزة، مرورًا بلبنان وسوريا والعراق وصولًا إلى الحوثيين في اليمن، والذي "خاب ظنه" بعض الشيء، ولم يشفِ الكلام الذي قيل غليل الكثيرين، الذين كانوا يتوقعون اعلان "الحرب الجهادية الكبرى".
وهذان الأمران كانا محلّ تحليل وتشريح في "المطبخ" الداخلي لـ "حارة حريك". وقد جاءت نتيجة المداولات مغايرة لما كان يتوقعه أصحاب نظرية استباق الاطلالة بحملة ترويجية اتت سلبياتها أكثر من ايجابياتها. ولذلك تقرّر عدم تكرار هذه التجربة، التي لم تكن ناجحة إلا اعلاميًا. وهذا ما حصل بالفعل. فالإطلالة الثانية لـ "السيد" لم يسبقها أي حملة ترويجية.
وقد يكون الكلام الذي سيقال هذه المرّة أكثر أهمية من الإطلالة الأولى، التي يعتبرها البعض بأنها كانت تمهيدية لخطاب اليوم المتوقّع أن تكون لهجته تصعيدية أكثر من كلام 3 تشرين الثاني.
يعتقد البعض أن نصرالله اضطّر، وفي الساعات الأخيرة من موعد خطابه الأول، لأن يعدّل في خطابه بناء على معطيات وردته من أكثر من مصدر. ولذلك جاء المضمون غير متناسب مع ما تتعرّض له غزة من حرب مدّمرة ومزلزلة، وما يمكن أن يتعرّض له لبنان من تهديد بإعادته إلى العصر الحجري.
أمّا في خطاب اليوم فإن الأمر سيكون مغايرًا. وسيبدأ نصرالله كلامه من حيث انتهى في المرّة الأولى. وسيكون مرتكزها الأساسي المجزرة التي ارتكبها العدو في عيناتا، واستشهدت من جرّائها ثلاث شقيقات وجدّتهن. كلام 3 تشرين الثاني انتهى ب"غموض بناء"، وبأن كل الخيارات والاحتمالات على الجبهة الجنوبية ستبقى مفتوحة وواردة، وهو ألمح إلى أن ردّ المقاومة سيكون في حجم أي اعتداء قد يتعرّض له المدنيون اللبنانيون، ولكن من ضمن "قواعد الاشتباك". فالتصعيد الكلامي "لا ميرة عليه". ولكن حساب الميدان شيء، والحساب في المعادلات الإقليمية شيء آخر. فإذا أتى كلام "السيد" مختلفًا من حيث اللهجة التصعيدية عن المرّة السابقة فهو سيأتي من ضمن لزوم "عدّة الشغل الميداني". وهو سيكون خطابًا جماهيريًا أكثر منه سياسيًا. فالمقصود بالكلام العالي السقف، الذي سيقال هذه المرّة، جمهور المقاومة في لبنان، وأهل غزة الموعودون ب"توحيد الساحات"، وكل الجماهير العربية التي تظاهرت نصرة لغزة ورفضًا للمجازر التي تُرتكب في حق "الغزاويين" المدنيين.
إلا أن التصعيد الكلامي، الذي يفرضه الواقع الميداني في غزة وفي الجنوب، لا يعني بالضرورة أن تذهب الأمور نحو الانجرار إلى حرب قد تكون إسرائيل ساعية إليها للضغط على الأميركيين والأوروبيين لكي ينتقلوا في وقت لاحق من مرحلة الدعم اللوجستي إلى مرحلة المشاركة الفعلية في حربيها ضد "حماس" وضد "حزب الله". إلاّ أن ما يمكن الركون إليه هو أن القيادات السياسية في لبنان عمومًا، وبالتحديد قيادات "حزب الله" تعي خطورة ما ترمي إليه إسرائيل، وما ترسم له عبر ارتكابها المجازر المتنقلة في أكثر من منطقة جنوبية، وتدرك أن أي ردّة فعل غير مدروسة وغير هادفة قد يستغّلها العدو لتحقيق ما يصبو إليه، وهو الذي بدأ منذ يومين بتوسيع رقعة قصفه على بعض القرى المحايدة نسبيًا عن الجبهة القتالية التقليدية.
فخطاب اليوم سيكون جماهيريًا بامتياز. ولكي يكون هكذا يُفترض أن تُستعمل فيه عبارات جماهيرية لم ترد في الخطاب الأول إلا لمامًا.