تضاربت المواقف من قرارات القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية التي عقدت امس في الرياض، فالبعض اعتبر أن بيانها الختامي كان ايجابيا ويبنى عليه لناحية ان الدول العربية والاسلامية التي شاركت في القمة يمكن أن تشكل كتلة مؤثرة للضغط من أجل وقف إسرائيل عدوانها على قطاع غزة فضلا عن اتخاذ المجتمعين قرارات حازمة لوقف المجازر الإسرائيلية وفك الحصار عن القطاع وفتح الممرات الإنسانية والمطالبة بوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة.
في المقابل، اعتبر آخرون أن بيان القمة لم يخرج عن سياق البيانات العربية السابقة المتصلة بالقضية الفلسطينية، واعتبر هؤلاء أن القمة تأخرت شهرا وبالتالي كان الأجدر بالدول المؤثرة اتخاذ اجراءات متشددة ضد إسرائيل على مستوى النفط وقطع العلاقات الدبلوماسية وفتح معبر رفح بالقوة لإدخال الوقود إلى القطاع.
ومع ذلك تركت كلمة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقعا على المستوى السياسي والشعبي لأنها حاكت الوجع الفلسطيني واللبناني معا، خاصة وأن هذين البلدين يدفعان على الدوام ثمن اعتداءات العدو الإسرائيلي الذي لا يمتثل لقرارات الشرعية الدولية ويضربها عرض الحائط.
لقد تضمنت كلمة الرئيس ميقاتي في القمة العربية الإسلامية، ثلاثة أجزاء:
الأول حمل الطابع الوجداني العاطفي والأخلاقي الذي تحدث من خلاله الرئيس ميقاتي عن دم عربي واحد متدفق في شرايين فلسطين ولبنان. فجمع بين فلسطين ولبنان كونهما ضحية للعدوان نفسه ويدفعان ثمنا كبيرا من النساء والأطفال رغم تفاوت مشهد الجريمة، لكنه انطلق ليثبت محورية فلسطين كقضية وكمنظومة قيم.
اما الجزء الثاني من الكلمة فتناول فلسطين كونها العنوان الأكبر للجريمة المرتكبة من قبل عدو هو خارج عن أي قانون أو أي ضمير، فدعا رئيس الحكومة، انطلاقا من ذلك، إلى التضامن والعمل المشترك ومن ثم التحريض الايجابي على اتخاذ قرارات على مستوى الجريمة المرتكبة. وبعدما شدد على قضية فلسطين كعروبة وانتماء وكونها الخنجر الذي مزق العالم العربي منذ النكبة، أكد ان سياسة التوسع والتهجير لا زالت هي الاساس في مشروع العدو الاسرائيلي، ولذلك ركز رئيس الحكومة على وحدة المصير مع فلسطين التي هي مساحة الجمع بين العرب "مسلمين ومسيحيين".
وبناء على ذاك رسم الرئيس ميقاتي في كلمته خريطة الطريق المطلوبة من المجتمعين والتي تتمثل أولا بوقف اطلاق نار غير مشروط، ثانيا فتح المعابر لإدخال المساعدات، وثالثا إطلاق مسار عادل للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني منطلقا من حل الدولتين ومبادرة السلام العربية.
اما في الجزء الثالث من الخطاب الذي يتصل بالملف اللبناني، فاعتبر الرئيس ميقاتي أن العدو واحد في الحالتين، وان ما يجري في جنوب لبنان هو صدى لمآسي القطاع، منطلقا من بديهية اعتداء العدو على السيادة وخرقه القرارات الدولية على رأسها 1701 متحدثا عن الجهد الذي بذله على مدى الأسابيع الماضية للحفاظ على الهدوء وضبط النفس، محذرا من مخاطر تمدد الحرب عبر جنوب لبنان الى المنطقة كلها.
وأنهى الرئيس ميقاتي كلمته مشددا على أهمية الثوابت الوطنية والالتزام بال 1701 ومندرجاته، ومؤكدا أن لبنان دائما يدفع ثمن العدوان الاسرائيلي، مناشدا محفل القمة دعم لبنان والوقوف إلى جانب لبنان وفلسطين.
المقابلة عبر "الجزيرة"
وفي مقابلة عبر قناة "الجزيرة"، اليوم الأحد، أكد ميقاتي تمسُّك لبنان بالشرعية الدوليّة وقرارات الأمم المتحدة، وأضاف: "لسنا هواة حرب ولن نقوم بأيّ خطوة لإشعال مزيدٍ من الحروب في المنطقة".
وأوضح رئيس الحكومة أنّ "الحذر موجود"، آملاً أن تؤدي الاتصالات إلى وقف إسرائيل إطلاق النار في جنوب لبنان، وقال: "ما يهمني أن يبقى بلدنا بعيداً عن الحرب ونتطلع دائماً إلى الاستقرار، ووضعنا خطة طوارئ لثلاثة أشهر قادمة إذا حصلت أيّ حرب في لبنان".
ولفت ميقاتي إلى أنّ "حزب الله يتصرّفُ بوطنيّة عالية"، مشيراً إلى أنه "مُطمئنّ لعقلانية الحزب"، وأردف: "نحافظ على ضبط النفس وعلى إسرائيل وقف استفزازاتها المستمرة في جنوب لبنان. ومن هنا، أطلب من الدول العربية خصوصاً التي لديها علاقات مع إسرائيل الضغط لوقف الاستفزازات في الجنوب".
وجدّد ميقاتي مُطالبته بـ"وقف إطلاق النار في غزّة بأسرع وقت مُمكن"، مؤكداً أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يستمر نزف الدماء في غزة بسبب الوحشية والمجازر التي لا يستطيع أي أحد تحمّلها.
ورداً على سؤال بشأن القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في الرياض، أمس السبت، قال ميقاتي: "نتائج القمة العربيّة الإسلامية أفضل بكثيرٍ مما كنتُ أتوقع وأرجو ألا تبقى قراراتها حبراً على ورق".