مفاجئًا لكثيرين بدا الهجوم الإسرائيلي الذي طال انتظاره على إيران، والذي كثُر "التهويل" بشأنه على امتداد أسابيع بدت طويلة وثقيلة لكلّ المعنيّين، فالهجوم الذي بدأ وانتهى قبل أن تتّضح أهدافه، بل قبل أن يدري كثيرون بحصوله، لم يأتِ "متناغمًا" مع التهديدات التي كرّرها الإسرائيليون لأسابيع، حول الأهداف "المفتوحة" التي حُدّدت له، والتي قرعت في مكانٍ ما جرس الإنذار لا من حرب إقليمية فحسب، بل أيضًا حرب عالمية ثالثة.
في الواقع، جاء الهجوم "مخفَّفًا" إلى حدّ كبير، لدرجة وصفه كثيرون بـ"التمثيلية"، وهو ما يتحمّل الإسرائيليون مسؤوليته بطبيعة الحال، بعدما رفعوا السقف على امتداد الأسابيع الأخيرة، حين لم يتوانوا عن التهديد بضرب المواقع النووية، علمًا أنّ ما عزّز هذا الانطباع تمثّل في التسريبات التي تولاها الإعلام الإسرائيلي، كما الأميركي، عن أنّ إيران أبلِغت سلفًا بالهجوم وأهدافه، وطُلِب منها عدم الردّ عليه، منعًا للانزلاق نحو حرب إقليمية كبرى.
ثمّة من يقول إنّ "كلمة السرّ" في الهجوم الإسرائيلي "المخفَّف" تكمن في الضغوط الأميركية، وهي الضغوط نفسها التي يقال إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض الانصياع لها منذ بدء حربه على قطاع غزة قبل أكثر من عام، وصولاً إلى نقله المعركة إلى الداخل اللبناني أخيرًا، رغم تحفّظ واشنطن، فلماذا تغيّر موقفه هذه المرّة، وهل يمكن القول إنّ "حجم" الهجوم الإسرائيلي على إيران يوجّه رسالة ببدء "العدّ العكسي" لنهاية الحرب؟!
"إنجاز أميركي"؟!
هكذا، تبدو البصمات الأميركية واضحة خلف الهجوم الإسرائيلي على إيران، الذي أرادته تل أبيب في البدء، وفقًا لتصريحات مسؤوليها، ضخمًا وكبيرًا وبلا سقوف، إلا أنّه جاء محدودًا ومخيّبًا، بل رمزيًا وأقرب إلى "رفع العتب"، إن جاز التعبير، حتى إنّ كثيرين شبّهوه بالردود "المضبوطة" التي كان يعتمدها "حزب الله" في مرحلة "الإسناد"، وقبل بدء العدوان، حين كان يلزم نفسه بقواعد اشتباك تضمن عدم الذهاب إلى حرب.
يقول العارفون إنّ حضور "المايسترو الأميركي" كان واضحًا خلف ذلك، حيث عملت واشنطن على مدى الأسابيع الماضية على إقناع تل أبيب بعدم وجود مصلحة في توتير الأوضاع أكثر، خصوصًا على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية، فيما كانت تبذل جهودًا موازية مع طهران لاحتواء أيّ ردّ إسرائيلي، وعدم تحويله "ذريعة" للتسبّب بحرب إقليمية أصبح واضحًا أنّ إيران لا تريدها، وأنّ لا مصلحة فيها على الإطلاق.
بهذا المعنى، ثمّة من يرى في الهجوم الإسرائيلي "إنجازًا متأخّرًا" حققته إدارة الرئيس جو بايدن، ولو أنّه سيبقى "منقوصًا" إذا لم يقترن بإجراءات جدّية تضع حدًا للحرب الإسرائيلية المتمادية على غزة ولبنان، وهو ما يبقى مستبعَدًا وفقًا للعارفين في الوقت الحالي، وقبل الانتخابات الرئاسية، رغم كلّ المؤشرات التي توحي بمرونة مستجدّة، والتي لا تنسجم مع رفض إسرائيل تقديم أي هدايا للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
"العدّ العكسي" بدأ؟
رغم ذلك، ثمّة من يبدو متفائلاً بأنّ "العدّ العكسي" لانتهاء الحرب قد بدأ، فمن يرى الوحشية الإسرائيلية في غزة ولبنان، والمجازر التي لا يتوقف الجيش الإسرائيلي عن ارتكابها على الجبهتين، كان يعتقد أنّ إسرائيل ستعمد إلى استغلال الفرصة لتوجيه "ضربة غير مسبوقة" لإيران، من باب نقل المعركة ممّن تسمّيهم "الوكلاء" إلى "الأصل"، إلا أنّها بتخفيفها من وطأة الهجوم، ولو كان ذلك استجابة لضغوط أميركية، وجّهت رسالة من نوع آخر.
وثمّة من يتحدّث عن مؤشّرات أخرى توحي بأنّ الجانب الإسرائيلي ربما يمهّد لـ"طيّ" صفحة الحرب فعلاً، سواء في غزة أو في لبنان، ولعلّ فتح باب المفاوضات حول وقف إطلاق النار في القطاع لا يبدو تفصيلاً في هذا الإطار، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ إسرائيل حقّقت ما تستطيع من هذه الحرب، منذ أصبحت غزة "ثانوية" في جدول أعمالها، وهو ما تعزّز بعد قتلها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، ولو عن طريق الصدفة.
وفي لبنان أيضًا، ثمّة مؤشرات على اقتراب الحرب من نهايتها إسرائيليًا، وهو ما ألمح إليه الحديث المنسوب إلى مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية، عن أنّ العملية البرية في جنوب لبنان أصبحت في مراحلها النهائية، "ويتوقع أن تنتهي في غضون أسبوع أو أسبوعين"، ولو أنّها لم تنجح في تحقيق أهدافها بعد، بدليل كثافة العمليات العسكرية التي ينفذها "حزب الله"، رغم الخسائر النوعية التي تعرّض لها، بعد تآكل بنيته القيادية بالكامل.
يقول العارفون إنّه لا يزال من المبكر لأوانه الحديث عن انتهاء الحرب، سواء على غزة أو على لبنان، مهما كثرت المؤشرات على ذلك، ومن بينها الهجوم الإسرائيلي على إيران، على "محدوديّته". وبمعزل عن كلّ ذلك، ثمّة من يقول إنّ أيّ تقدّم ملموس لن يحصل في الوقت الحالي، وبالحدّ الأدنى قبل منتصف الشهر المقبل، باعتبار أنّ شيئًا لن يتغيّر قبل إنجاز الانتخابات الأميركية، ومعرفة هوية ساكن البيت الأبيض المقبل!