بعدما تراجعت في سلّم الاهتمام، منذ فتح "جبهة الإسناد" في الثامن من تشرين الأول 2023، وجُمّدت بكلّ معنى الكلمة منذ منتصف أيلول الماضي، على وقع التطورات الدراماتيكية التي مهّدت للحرب الإسرائيلية الوحشيّة ضدّ لبنان، استعادت الحركة السياسية "نشاطها" بشكل أو بآخر في الساعات الأخيرة، مع الجلسة التشريعية التي عقدها مجلس النواب، وأفضت إلى التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، بسلاسةٍ قلّ نظيرها.
على هامش الجلسة التشريعية، التي تزامنت أيضًا مع زيارة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بعد طول انقطاع، تحرّك الملف الرئاسي، بعد طول تغييب عن الأجندة، حيث حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري التاسع من كانون الثاني المقبل موعدًا لجلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية، مبرّرًا المهلة الفاصلة عنها بالرغبة في حصول التوافق خلالها، حتى تكون "مثمرة"، بما يفضي لإنجاز الاستحقاق وانتخاب رئيس للجمهورية.
وبين التمديد لقائد الجيش الذي سار بسلاسة لافتة، وانتخاب الرئيس الذي يتفاءل المتابعون بأنّه سيكون مثمرًا هذه المرّة، مع اختلاف الظروف عن كلّ الجلسات السابقة، يتحدّث المتابعون عن حركة سياسية مكثّفة منتظرة في الكواليس السياسية على امتداد المرحلة المقبلة، في ظلّ ملفاتٍ كثيرة مطروحة على بساط البحث، على رأسها استحقاق الرئاسة وما يترتّب عنه من استحقاقات، ولكن أيضًا هواجس تبقى ماثلة، في ظلّ انقسام عمودي، حتى على تبعات الحرب!
الرئاسة أولاً...
بالحديث عن الملفات السياسية التي تتصدّر الاهتمام، في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، يمكن الحديث عن العديد من الاستحقاقات المرتبطة بتبعات الحرب المباشرة، من بينها الواقع الجديد الذي سينشأ عنها، خصوصًا مع انتشار الجيش في المناطق الجنوبية، وكيفية التعامل مع المتغيّرات الحاصلة، فضلاً عن ضمان إطالة أمد التهدئة وتحويلها إلى استقرار طويل الأمد، بالتزامن مع التصدّي للخروقات الإسرائيلية.
لكنّ الثابت بحسب ما يقول العارفون، هو أنّه بعد التمديد لقائد الجيش، الذي أنقذ المؤسسة العسكرية من احتمال الشغور في قيادتها، فإنّ "أولوية الأولويات" تتمثل في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت ممكن، بل إن هناك من يشدّد على ضرورة أنّ يكون الرئيس الجديد قد تسلّم مقاليد الأمور قبل انتهاء مهلة الستين يومًا المنصوص عليها في الاتفاق، لمواكبة المرحلة المقبلة ومتطلباتها.
ويشير العارفون إلى أنّ أهمية إنجاز الاستحقاق الرئاسي تكمن في أنّ معظم الاستحقاقات الأخرى محكومة بانتخاب الرئيس أولاً، ومنها إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية، وتشكيل حكومة جديدة تكمل ما بدأته الحكومة الحالية، وتشرع في تنفيذ الإصلاحات التي باتت أكثر من ضرورية في هذه المرحلة، فضلاً عن مواكبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، الذي يبدو أكثر من ملحّ، بعد الخسائر الكبرى التي تسبّبت بها الحرب على الكثير من المستويات.
"مخاطر" الانقسام السياسي
وبانتظار إتمام هذه الاستحقاقات الأساسيّة، ثمّة من يتحدّث عن استحقاقات أخرى قد لا تكون بعيدة، من بينها فتح ملف التعويضات، وإطلاق ورشة إعادة الإعمار، ولكن أيضًا ثمّة من يشير إلى استحقاق أساسيّ يتمثّل في تشييع الأمين العام السابق لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، باعتبار قد يشكّل "نقطة تحوّل" في المسار السياسي ككلّ، ولا سيما أنّ هناك من لا يزال حتى اليوم غير قادر على "استيعاب" حقيقة ما حدث، وربما خطورته.
وفي السياق، ثمّة هواجس حاضرة من أن يتعمّق الانقسام السياسي في المرحلة المقبلة، في ظلّ اعتقاد شريحة واسعة بأنّ ما بقي "مضمرًا" إن صحّ التعبير في فترة الحرب قد يخرج إلى العلن، علمًا أنّ ثمّة خشية "مزدوجة" من رهانات على نتائج الحرب لتعديل موازين القوى، سواء من جانب خصوم "حزب الله" الذين باتوا يعتقدون أنّه "في أضعف حالاته"، أو حتى من جانب الحزب، الذي يرى البعض أنه قد يعمد إلى "تصفية حسابات" مع البعض.
وسط هذه الهواجس، ثمّة من يشدّد على أنّ الاستحقاق الأهمّ يبقى استنادًا إلى ما تقدّم، متمثّلاً بضرورة "تحصين" الوحدة الوطنية، في المرحلة المقبلة، لمواجهة كل المخاطر المحتملة، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ مرحلة "ما بعد الحرب" قد تكون أخطر من مرحلة الحرب نفسها، إذا لم يعرف الأفرقاء كيف يتعاملون معها بحكمة ودراية، حتى إنّ هناك من يخشى من تكرار سيناريو "7 أيار" في مكانٍ ما، في حال تعميق الانقسامات.
في النتيجة، يقول العارفون إنّ تحصين الوحدة الوطنية قد يكون العنوان الأساسي المطلوب في المرحلة المقبلة، لعدم الانزلاق في أيّ مخاطر قد تكون "كارثية" على الوطن ككلّ، علمًا أنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية يشكّل بلا شكّ، "أساس" هذا العنوان، فبناءً على هذا الاستحقاق، تُرسَم كلّ معالم المرحلة المقبلة، بشكل أو بآخر، بما في ذلك إدارة مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، وتوحيد الرؤية إزاءها بين اللبنانيين!