كتب ابراهيم حيدر في" النهار": فور إعلان تشكيل الحكومة قال الرئيس نواف سلام إنها حكومة إصلاحية لإعادة الثقة بين المواطنين واستكمال اتفاق الطائف. عبر سلام عن تفاؤله بأن الحكومة وإن كان وقتها قصيراً حتى الانتخابات النيابية المقبلة ستتمكن من السير في الاصلاحات وتطبيق القرار 1701 والعمل على إعادة الإعمار، وهو ما يعبر بوضوح عن دخول لبنان مرحلة جديدة تتولى الحكومة معها مهمات أساسية ترتبط بالوضع في الجنوب والسير في إصلاحات ستسحب الهيمنة السياسية من قوى كثيرة في السلطة.
في المبدأ بدت الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، في ظل ضغوط دولية شكلت رافعة لانتاج العهد وتشكيل الحكومة، ورقابة لمنع أي خلل في المسار الجديد، إذ أن لبنان مر بثلاث مراحل مفصلية في سياق التغيير توازياً مع ما تشهده المنطقة، أولاً بانتخاب الرئيس عون ثم تكليف سلام للتشكيل، فالتأليف الذي جاءت منسجماً ويجمع كفاءات واختصاصيين تكنوقراط بصرف النظر عن توجهاتهم السياسية، فيما يبقى استحقاق البيان الوزاري الذي يشكل العنوان السياسي للمرحلة المقبلة وسط استمرار الضغوط الدولية لتطبيق القرار الدولي 1701 وأميركية لسحب سلاح "حزب الله" عبرت عنه الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، ثم انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، وهذه النقطة الأخيرة مهمة أساسية للعبور إلى تحقيق نتائج لعمل الحكومة.
يسجل لنواف سلام إصراره بدعم من رئيس الجمهورية على التشكيل واختيار الوزراء وفق معايير مختلفة عن السابق كرّستها التغييرات الجديدة ومناخاتها في المنطقة في ظل رافعة دولية لا تزال تضغط في غير اتجاه، وهو ما استفاد منه سلام من دون أن يقدم نفسه رئيساً يريد أن يقصي أطرافاً من المعادلة. الأهم أن التشكيل حصل من خارج المحاصصة، فهو قطع مع طريقة تشكيل الحكومات التي كرسها اتفاق الدوحة 2008، وكسر الهيمنة السياسية في عملية التشكيل وأنهى الثلث المعطل لقوى كانت تستخدمه لإسقاط الحكومات، خصوصاً الثنائي الشيعي.
جرى تذليل العقبات أمام الولادة بعد تصريح أورتاغوس من قصر بعبدا، وهو تشكيل لم يلبِ شروط الموفدة الأميركية، من دون أن يعني ذلك أن سلام لا يكترث لضغوطها خصوصاً أمام اقتراب استحقاق 18 شباط في الجنوب. ويعني ذلك أن رئيس الحكومة يعتبر أن تطبيق القرار 1701 من الأولويات وتسلم الشرعية اللبنانية مهمات الحدود هي مسالة اساسية، لكن معركته ليست مع "حزب الله" ولا يريد مواجهة معه، إنما يسعى إلى ترسيخ مسار سياسي مختلف يقوم على استعادة دور الدولة في الجنوب، ومن هنا يعمل على سحب الذرائع التي تحاول إسرائيل استدراج لبنان اليها، ودفع "حزب الله" للانسجام مع الرؤية السياسية للحكومة حول الجنوب، وذلك منعاً لأن تتحول استعصاءات الحزب الى واقع جديد يدفع البلاد الى الفوضى.
سيشكل البيان الوزاري عنواناً لسياسة الحكومة وأولوياتها، وتقول مصادر سياسية متابعة أنه سيضع معادلة "الدولة والجيش والشعب" وليس المقاومة خصوصاً في ظل الأخطار التي يواجههالبنان وتتصدرها الضغوط الأميركية التي تدعم إسرائيل، وهذا الأمر عبرت عنه أورتاغوس بوضوح عندما تحدثت عن هزيمة حزب الله، وضرورة ترجمة ذلك في الحياة السياسية اللبنانية. ولا شك في أن الحكومة بعد البيان الوزاري الذي سيأخذ بالاعتبار التغييرات والضغوط ستكون أمام اتخاذ قرارات سياسية أهمها ملف السلاح. وبما أنه في المبدأ لا قدرة لأحد على تفجير الحكومة من الداخل لا بالثلث المعطل ولا بذريعة الميثاقية بعد تسمية الشيعي الخامس، فإنها ستكون أمام اختبار جدي لا يخلو من ضغوط خارجية وداخلية سيتصدره "حزب الله" باسم الثنائي الشيعي لمنع اتخاذ قرارات تتعارض مع توجهاته في ملف السلاح والجنوب خصوصاً.
خلال سنة ستواجه الحكومة تحديات كبرى أولاً في مشروع الاصلاحات ثم في تطبيق القرار 1701 وإعادة الإعمار الذي لن يكتمل إلا بدعم دولي وعربي، وهو ما يستدعي اتخاذ قرارات استراتيجية على مختلف المستويات وبينها ما يتعلق بسلاح "حزب الله" من دون أن تكون المعركة معه، علماً أن الثنائي الشيعي سيعتبر أي قرارات في هذا الشأن موجهة ضده، لكنه لن يكون قادراً على منع السير في المرحلة الجديدة.