Advertisement

عربي-دولي

أميركا وأحجام ما بعد الزلزال

Lebanon 24
09-02-2025 | 23:42
A-
A+
Doc-P-1318184-638747667554766486.jpg
Doc-P-1318184-638747667554766486.jpg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
كتب غسان شربل في" الشرق الاوسط": هذه أميركا. الاقتصاد الأوَّلُ في العالم. سيدة البحار والأجواء معاً. منجم الجامعات العريقة والمخترعين والمبتكرين ورواد التكنولوجيا والثورة الرقمية. قادرةٌ على إصابة أي هدف في القرية الكونية. وقادرة على الاستماع إلى ما تهمس به في منزلك أو المقهى. يطالبها العالم بأن تتكيَّف معه فترد بمطالبته بأن يتكيَّف معها. وحين تنتخب رئيساً تنتخبه لنفسها وللعالم معاً، خصوصاً إذا كان اسمُه دونالد ترمب. على الرئيس الصيني أن يُبقِيَ عينه على صندوق المفاجآت في البيت الأبيض. وعلى سيّد الكرملين أن ينتظرَ موافقتَها لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا. وعلى قادة «أوروبا الهرمة» أن يصلوا كي يرأفَ رئيسُها بالعلاقة مع حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي. وما يصدق هناك يصدق في الشرق الأوسط أيضاً.
Advertisement
هذه أميركا. ما أقسَى أن تكون عدوَّها! مبارزتها مكلفة. قتلت الاتحاد السوفياتي من دون إطلاق رصاصة. تحرَّش بها معمر القذافي فأرعبته بالوصول إلى غرفة نومه. تحدَّاها صدام حسين فاقتلعت نظامَه والتفَّ الحبلُ حول عنقه. تهضمُ الخسارات والانكسارات ثم تعود متكئةً على اقتصادها وأقوى آلة حربية في التاريخ. وما أصعبَ أن تكون صديقَها! وسادتها شائكة ومزاجية. وفي جميع الأحوال لا بدَّ منها. يصعب أن تغسلَ يديك منها. تجاهلها يدفعك إلى الهامش. كأنَّها دواء مرٌّ لا بدَّ من تناوله حتى لو أصابك بأعراض جانبية. ما أصعبَ الرقص مع سيد البيت الأبيض! ما أصعبَ الرقص مع ترمب!
هذه أميركا. وكانَ لا بدَّ منها. لوقفِ مذبحة غزةَ والإفراج عن الرهائنِ والأسرى. ولوقفِ الحرب الإسرائيلية على لبنانَ ومنعِ تحوّله غزةَ أخرى. ومنذ عقود طويلة يعرف الشرق الأوسط القصة. إنَّها طرفٌ ووسيط. تلجم الحروبَ لكن لا بدَّ من ثمن، خصوصاً في ضوء العلاقة الحميمة بين أميركا وإسرائيلَ، وبين ترمب ونتنياهو.
في بيروتَ لا يحتاج الزائر إلى من يذكّره بحجم الزلزال الذي ضربَ المنطقة. وقف النار الذي هندسَه المبعوث الأميركي السابق آموس هوكستين لا يمنع المسيَّرات الإسرائيلية من الإقامة في أجواء بيروتَ والمناطق ومعاقبة أي تحركٍ تعدّه معادياً. لا يمنعها أيضاً من استكمال إبادةِ بيوت القرى اللبنانية المتاخمة لحدودها. أنينُ المسيَّرات الإسرائيلية يعيد التذكير بانكسار التوازنِ الذي كانَ قائماً قبل الحرب. لم يعُد «حزبُ الله» قادراً على خوض حرب جديدة مع إسرائيل. خسر آلافَ المقاتلين. وخسرَ زعيمَه الأبرزَ حسن نصر الله؛ وهي خسارةٌ يصعب عليه تعويضها. وخسر العمقَ السوريَّ الذي كان شريانَ تسليحِه الإيراني وتمويله. ويعرف الحزبُ أيضاً أنَّ أكثرية اللبنانيين عارضت «جبهة الإسناد» التي أطلقها وتطالب حالياً وبوضوحٍ بحصر السّلاحِ بيد الدولة.
عبَّرت المداولاتُ التي سبقت تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام عن أزمةِ الأحجام بعد الزلزال. في هذه الأجواء خرجت نائبةُ المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من لقائها مع الرئيس جوزيف عون لتلقِيَ قنابلَها. طالبت السلطاتُ اللبنانية الجديدة بترجمةٍ حرفية لموازين القوى بعد الزلزال، متجاهلةً صعوبات التركيبة اللبنانية وحساسياتها. من حسنِ الحظ أنَّ عون وسلام نجحا في بلورة حكومة تحظَى بالدعم الإقليمي والدولي من دون إشعال معركة الأحجام الجديدة في الشارع. بدا واضحاً أنَّ الحسناء الأميركية تعتمد قاموسَ ترمب الذي سمح له باقتراح نقلِ أهالي غزةَ تمهيداً لتحويلها «ريفييرا رائعة».
لا يمكن إنكارُ حجم الزلزال الهائل الذي ضرب المنطقةَ والذي يدفع نتنياهو إلى المباهاة بأنَّ حروبه غيَّرت الشرق الأوسط. ليس بسيطاً أن يرهن العالم أي مساعدة للبنان بتطبيق كامل للقرار 1701 ومندرجاته، وهو يعني خروجَ «حزبِ الله» من الشق العسكري في المواجهة مع إسرائيل. وهذا يعني ليس فقط تغييراً في حجم الحزب؛ بل قبل ذلك في حجمِ إيرانَ الإقليمي.
أحجام ما بعد الزلزالِ ملفٌ كبير سيشغل المنطقة في المرحلة المقبلة. لم تُصَبْ إيرانُ بخسارة كاملة في لبنان لكنَّها أصيبت بها في سوريا. يتصرَّف الرئيس السوري أحمد الشرع بمسؤوليةٍ كاملة استوقفتِ المبعوثين الذين التقوه. يتصرَّف آخذاً في الاعتبار الحقائقَ الإقليمية والدولية، مدركاً أهمية عودة سوريا إلى عائلتها العربية وبلغةٍ تطمئن الداخل والخارج. وهذا الأسلوب دعا الدولَ الغربية إلى إعادة فتح النوافذِ مع دمشق تمهيداً لمساعدة سوريا في إعادة الإعمار والتحول واحدة من ركائز الاستقرار.
يخاطب ترمبُ إيرانَ آخذاً في الاعتبار خسارتَها في الزلزال الأخير. يعرض عليها «عدم قصفها»؛ أي امتناع إسرائيل عن تسديد ضربة إلى منشآتها النووية إذا وافقت على اتفاقٍ جديد يشمل أيضاً ترسانتَها الصاروخية وأذرعها الإقليمية. ليس بسيطاً على المرشد الإيراني القبول بالحجم الجديد لبلاده في وقتٍ انتزعت فيه تركيا عبر التغييرِ السوري حجماً جديداً في الإقليم.
مشكلة الأحجامِ الجديدة في الإقليم هي غيابُ المقاربة الأميركية الواقعية للموضوع الفلسطيني. يعرف أهلُ المنطقة أنَّ الفلسطينيين لا يبحثون عن أرض للإقامة فيها. إنَّهم يبحثون عن أرضهم ولا يرضون بديلاً منها. والحلُّ الوحيد الممكن لهذا النزاع المدمّر والمديد هو حلُّ الدولتين الذي تتمسَّك به الدول العربية والإسلامية والمجموعة الأوروبية. لا بدَّ من حصول الفلسطينيين على حقوقهم ومعرفة حدود إسرائيل وحجمها أيضاً. وحده حلُّ الدولتين يمكن أن ينزعَ فتيلَ التفجير المزمن في المنطقة ويفتحَ البابَ لقيام دول طبيعية تنهمك حكوماتها باللحاق بركب العصر وصيانة اقتصادها واستقرارها بدلَ الانخراطِ المتوتر في معركة الأحجام.  
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك